لن أتحدث عن بؤس حال مطار المدينة المنورة الدولي الذي يعتبر واجهة للمملكة حيث يزوره ملايين الحجاج كل عام! ولن أتحدث عن صالة الاستقبال التي أكل الدهر عليها وشرب، ولا عن صالة المغادرة المؤقتة "المتواضعة" بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ولا عن سوء حال كراسي الانتظار، والتي ستودعك وأنت مغادر إلى رحلتك بألم مزمن في الظهر! فكل مطاراتنا في الهم سواء، وإن كان بؤس الخدمات يزداد وينقص من مطار لآخر، ولا عجب حين وضعنا في ذيل القائمة (إياها) والتي طارت بتصنيفاتها الركبان! ولكني سأحدثكم عن إحدى رحلات العذاب على متن إحدى طائرات ناقلنا الوطني (الخطوط الجوية العربية السعودية)، والتي أجزم أن كثيرا منكم تعرض لما يشبه لها في المضمون مع اختلاف في التفاصيل الهامشية الصغيرة!
لم أصدق أذنيَ عندما أعلن عن رحلتي المغادرة من المدينة المنورة إلى جدة رقم 1461 في الوقت المحدد تماما للصعود إلى الطائرة التي كان من المفترض أن تقلع الساعة العاشرة والنصف مساء، ولكن يا فرحة ما تمت! فعندما أوشكت الطائرة على الإقلاع، وبعيد إغلاق أبواب الطائرة بدقائق استعدادا للمغادرة، فوجئنا بانقطاع التيار الكهربائي لبرهة ثم حدوث ارتباك تبعه هرج ومرج، ثم فتحت أبواب الطائرة لنشاهد كوكبة من الفنيين وموظفي الخطوط يدلفون إليها! وبعد مرور حوالي نصف ساعة تحنن المضيف علينا وأعتذر معلنا أن هناك عطلا تقنيا في الطائرة سيستغرق حوالي عشر دقائق لإصلاحه! وكما توقعت تمددت العشر دقائق لحوالي الساعة داخل الطائرة، طبعا دون أن يكلف أحد من الموظفين خاطره بالاعتذار أو إخبار المسافرين عما يحدث في الطائرة! بعد طول انتظار أعلن المضيف عن قرار إعادتنا إلى صالة المغادرة حتى يتم إصلاح الطائرة، وحملنا في الباصات إلى صالة العذاب بكراسيها الوثيرة جدا! وفور وصولنا للصالة أعلن أن الطائرة ستغادر الساعة الثانية عشرة والنصف، مع أننا وصلنا الصالة قبل الموعد المذكور بربع ساعة فقط.. لذا كنت متأكدة أن المغادرة المزعومة لن تحدث في الوقت المعلن! أخيرا وليس آخرا أعلن إلغاء الرحلة تماما وعلى المسافرين مراجعة مكتب الخطوط، ويا لهول ما حدث عند مكتب الخطوط! تكدس المسافرون الضائقون والمتأففون على مكتب وحيد وموظف أوحد في ممر ضيق جدا! ولأن روح الموظف كانت في (مناخيره)، لم يستطع احتواء التساؤلات والاستفسارت التي انهالت عليه ذات اليمين وذات اليسار وغادر فجأة مكتبه! فيما توزع المسافرون هنا وهناك محاولين الاستفسارعن آخر ما يستجد من أنباء عن رحلتهم الملغاة!
المفاجأة الصاعقة لي وأنا أغادر المطار إلى بيتي الساعة الثانية صباحا، بعد أن يئست من السفر وحجزت في اليوم التالي، رؤية رفقائي من المسافرين "الصابرين" يتوجهون إلى الصالة من جديد متوجهين إلى جدة بعد أن أعلنت الخطوط عن إلغاء الإلغاء الأول فقد أصلحت الطائرة! بعضا من الاحترام لمسافريكم يا خطوطنا العزيزة، وصورة مع التحية لمعالي المدير العام خالد الملحم!