لا تظني ولا تعتقدي عزيزتي القارئة أنك ستجدين الطرق معبدة أمامك إذا ما أردت القيام بعمل بسيط كالتبرع بالدم !! ولا تتعجبي حين تقابلين بالاستغراب والنظرات الحبلى بالتساؤلات والاستنكارات لفعلك غير المألوف ، بل وغير المقبول من بنات حواء !! بل قد توضع في وجهك العوائق والعراقيل.. وتضطرين للدخول في مفاوضات معقدة واستجوابات ومحاولات للإقناع ، ليتكرم عليك من أمامك ويسحب من دمك بعد التأكد أنك جادة في مسألة التبرع بالدم!! ضعي في حسبانك أيضا أنه قد يطلب منك موافقة وليك على أخذ الدم منك، فلست ملكا لنفسك ولست مؤهلة لأخذ القرار في أبسط الأمور المتعلقة بك كما تقترح الأنظمة والقوانين المعتمدة فضلا على الثقافة السائدة!! 
يبدو أن التبرع بالدم - هو الآخر- يدخل تحت القائمة الطويلة العريضة المسموح بها حصريا لمعشر الرجال ، والمستنكرة والعصية على معشر النساء !! نعم هذا ما حدث لصديقتي (ليلى) التي أخذت بعضها وتوجهت لأحد مستشفيات المدينة المنورة لتتبرع بدمها، فأحدث ظهورها وطلبها العجيب – في عرف قسم التبرع بالدم هناك – ارتباكا وبلبلة لم تكن في حسبان صديقتي الغافلة – ويا غافل لك الله – عما يمكن أن يثيره فعلها من استنكار وتعجب ! ومع أنه لم يطلب منها إحضار وليها ليضع توقيعه ، إلا أنها اضطرت لخوض معركة إقناع – ولا في الكوابيس – ليتم سحب الدم منها بعد لأي ورفض وشجب واستنكار، ثم قبول على مضض بعد نضالها الدؤوب وإصرارها على التبرع بدمها ذي الفصيلة النادرة والمطلوبة O زائد ! وفي حين أن المفاوضات استمرت وقتا طويلا من الزمن تعطلت فيها صديقتي عن أعمالها، لم يأخذ سحب الدم إلا وقتا قصيرا جدا! إحدى الحجج التي قيلت لها لصرفها عن التبرع بالدم عدم وجود ممرضة (امرأة) لتأخذ منها الدم، فما كان منها إلا التأكيد على أنها لا ترى بأسا في أن يسحب الدم من يدها ممرض (رجل). أكد لها المسؤول أيضا أنها المرة الأولى التي تأتي لهم امرأة تريد التبرع بالدم ، وأن ندرة طلبها سببت لهم هذا الإرباك المشوب بالاستغراب ! مما يرفع سؤالا عريضا عن عزل المرأة عن مجتمعها وشؤونه ، وإبعادها عن مسؤوليتها الاجتماعية ، وحصرها داخل دوائر الخاص جدا، ليستنكر عليها فعل بسيط كالتبرع بالدم، ولتستنكره هي على نفسها فلا تفكر في الإقدام عليه إلا قليلا ! ثقافة العمل المجتمعي والتطوعي تظهر أيضا على استحياء في مجتمعنا، وتقابل بالاستنكار والاستغراب ووضع العراقيل أمام النساء كما وضح الزميل فهد الدغيثر في مقالته (سأعمل متطوعة وبلا مقابل)!
العجيب أن المرأة التي يستنكر عليها التبرع بالدم ويُستغرب أن تتطوع دون مقابل وتعامل من منطلق نقص الأهلية في زمننا، وقفت في العصور الذهبية للإسلام تدافع عن الدين وتشارك في كافة مناحي الحياة الاجتماعية بل والسياسية بفاعلية..  فالنساء شقائق الرجال!