لا تملك وأنت تجوب شوارع جدة وتنظر إلى إشاراتها إلا النظر إليها بعين الشفقة، والسبب هو ما تراه من عصابات المتسولين وبائعي الماء والتونة وقطع غيار السيارات، وفي لفتة حانية من هذه الفرق فإنها تبيع أيضاً لعب الأطفال! بل إن إحداها تخصصت في بيع الطيور.

بدأت في تقصي بعض ما حاولت تقصيه من أسئلة وأحاديث مع هؤلاء الباعة أم المجهولين أم العصابات ـ لا أدري ماذا أسميهم ـ بالذات عند الانتظار كالعادة لفترة طويلة أمام الإشارات.. كل مرة أقابل واحدا منهم، أسأله عن عمله، وقد بدأ يتضح لي أن وراء هؤلاء عصابات منظمة من المجهولين والعمالة السائبة، بل للأسف فإن من يقف خلف بعضهم سعوديون، يعملون على تنظيم تحركاتهم ومواعيدها، حتى يخيل إليك أنك تعمل في قطاع خاص، هذا يوقع للخروج وهذا يأخذ بضاعته، ولا ننسى بائعي الورد والفل والفاكهة، فهؤلاء عالمهم آخر، بضاعتهم تخضع للتكييف والاستيراد بدقة ونظام. غريبة جدة تلك المدينة التي تعج بالمخالفات أمام المسؤولين، وهم ذاهبون للتنزه، وهم عائدون إلى منازلهم، الأغرب من ذلك كله أن هناك عصابات أشد تنظيما، وهو أنك تفاجأ بفريق من كبيرات السن فقط يمددن أيديهن على الكورنيش.. لا يتكلمن، لا يقلن صدقة، ولا كلمة، كل همهن التسول فقط.. سيارات متخصصة لإنزالهن في أول الكورنيش ومن ثم هناك من يقوم بتنظيم تحركاتهن، هذا يحضر وذلك يأخذ، وهذا يجمع ويحسب، والآخر يوصل لمقر السكن، لكن والأشد غرابة أنني "سألت أحد القائمين على الدبابات التي يتم توفيرها في الحدائق التي حولتها إلى ميدان سباق لعدد من الأفارقة: ألا يأتي أحد المسؤولين ليمنعكم من العمل؟ قال: "كل الدبابات هذي لمسؤولين، حنا نقدر نشتري دبابات"؟!

لم يبق شيء إلا وتم عرضه على المارة في جدة، حتى قمصان النوم التي وفرت أيضاً بجانب نقش الحناء. وأطفال العلك الذين يتسكعون من مكان إلى مكان، منذرين بخطر عصابات منظمة لا تعرف عن المجتمع إلا أنها فقط تأخذ منه.

الحقيقة: أن هؤلاء لا يمنعون، ولا يراقبون.. نحتاج حلولا للقضاء على مثل هذه الظواهر كالتسول، أو التسكع، أو التعلك عند الإشارات، مع خالص التحية للجهات ذات العلاقة.