"علينا التوصّل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. هذا يستدعي انسحابا كبيرا ، كي لا نقول كليّا ، من الأراضي المحتلّة. إن نسبة من هذه الأراضي سوف تبقى تحت سيطرتنا، لكن ينبغي التعويض بما يعادلها. وإلاّ لن يكون هناك سلام". صاحب هذه الجملة ليس سوى إيهود أولمرت، رئيس وزراء إسرائيل السابق وأضاف إليها اعتقاده بأن السلام مع سوريا يمرّ عبر إعادة الجولان المحتل. الجملة واردة في حديث له مع صحيفة يديعوت أحرونوت وذكّر بها الصحفي البريطاني اليهودي روجيه كوهين في "الهيرالد تريبيون إنترناشونال" ثمّ نقلتها في شهر ديسمبر 2008 "مجلة نيويورك للكتب".
بالتأكيد إيهود أولمرت ليس حمامة سلام، وبالتأكيد يداه ملطختان بدم الكثير من الضحايا. لكن هذا لم يمنع الصحفي البريطاني من أن يرى في جملته وفي توقيتها كأنها رسالة "غير مقصودة" إلى باراك أوباما الذي كان يتأهّب لتولّي مهام منصبه الرئاسي. رسالة تتمثّل دلالتها الرئيسية في القول إن الولايات المتحدة قد أخطأت عندما "وقّعت شيكا على بياض لإسرائيل" وعندما "أشاحت بنظرها عن بناء المستوطنات الإسرائيلية" وعندما زوّدت إسرائيل بأكثر الأسلحة تقدما بحيث أصبح الإسرائيليون "يرون في الجواب العسكري إجابة على كل المشاكل". وهذا هو المنطق "الغبي" الذي سلكوه عندما قاموا بمجزرتهم ضد نشطاء الحرية في المياه الدولية عندما كانوا في طريقهم إلى غزّة.
ما يعرفه ويردده الجميع هو أنه لا شيء يمكن أن يتغيّر في الشرق الأوسط دون أن تتوصل الإدارة الأمريكية الحالية، أو إدارة لاحقة فالسابقات انتهى فعلها، إلى قول "لا" لإسرائيل. والضغط على قادتها من أجل احترام الشرعية الدولية. وقد كانت العملية التي قام بها الجنود الإسرائيليون في المياه الدولية مناسبة حقيقية أمام واشنطن، لو أرادت، كي تؤكّد أن القانون الدولي ينطبق على الجميع، بما في ذلك إسرائيل.
إن واشنطن لم تقل "لا" لإسرائيل عندما خرقت القانون الدولي. بل لم تتردد في الاقتراع ضد تشكيل لجنة تحقيق دولية حسب القرار الذي جرى تبنّيه يوم 2 يونيو الجاري في جنيف عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقول "لا" لقرار يطالب بلجنة تحقيق دولية يعني في سياق ما جرى قول "نعم" لإسرائيل.
كانت هناك آمال كبيرة وكثيرة في أن تمتلك إدارة باراك أوباما قاموسا آخر. قاموس تتناظر مفرداته مع مضمون الخطاب الذي وجهه باراك أوباما إلى العالم العربي ـ الإسلامي في شهر يونيو الماضي من جامعة القاهرة. لكن بدا أن تلك الآمال والأحلام لم تكن سوى أوهام في "بورصة" الواقع العملي.
إسرائيل ليست قلعة محاصرة، ولكنها كيان "خائف" رغم أنها مدججة بالسلاح. لكن أهم أوراقها الرابحة ليست قوتها العسكرية وما تبعثه لديها من "نشوة خطيرة"، ربما عليها هي نفسها قبل غيرها. ورقتها الرابحة أكثر، ورقتها الكبرى، هي غياب أي موقف عربي موحّد. موقف حد أدنى. موقف لا يتدنّى إلى أقل مما جاء في جملة أولمرت وما يتردد في نفس مضمونها لدى أصوات يهودية عديدة. وكل موقف أقل من هذا الحد الأدنى تصبح له تسمية أخرى.
الموقف المطلوب ليس سرّا ولا اختراعا والكل يعرفه من المواطنين البسطاء وحتى أصحاب القرار. والكل يتساءل عن سبب غيابه. الأكيد هو أن الذين يأخذونه هم أوّل المستفيدين منه. ثمّ إن العالم لا يحترم سوى أولئك الذين يعرفون كيف يقولون "لا " في مكانها وحيث ينبغي أن تقال باعتبارها الإجابة الوحيدة الصحيحة.
هذه الـ "لا" هي التي يمكن أن تدفع أمريكا والعالم إلى أخذ هذا العالم العربي على محمل الجد، ولو كان ذلك على قاعدة المصلحة. دروس التاريخ أثبتت منذ جورج واشنطن حتى جورج دبليو بوش وإلى اليوم أن الولايات المتحدة لم تتلكأ في التراجع، بل الانسحاب من تحالفاتها إذا تغيّرت موازين القوى أو إذا تغير اتجاه هبوب ريح مصالحها. هذا جزء من العقلية الأمريكية ذات البعد "العملي" والمجبولة بالبحث عن الفائدة ووضع القوّة في خدمتها.
المناخ مواتٍ اليوم لوقفة عربية وصياغة مطالب حد أدنى لا قبول لما "أدنى" منها.