"يا عيني حظنا تعبان؛ ذا مهما نسوي ما بيبان
ولو تحلف كثير أيمان؛ ما راح أصدق الحلفان
نسيتنا ونحن في جدة؛ ونسيت أيامنا الحلوة ..
وسبحانه وقدروا عليك .."
لا أعلم كيف!؟ حين عدتُ لقراءة خبر الوطن المنشور منذ بضعة أسابيع، عن فتوى الشيخ عادل الكلباني بجواز الغناء بنية الترويح شرط ألا يكون الكلام فاحشا؛ استعادت ذاكرتي المثقوبة الأيام الحلوة لعمالقة الفن في جدة؛ وهذه الأغنية للشاعرة الجداوية الجميلة ثريا قابل؛ التي بذرتها في صوت الحجاز العتيق المتجدد فوزي محسون ـ رحمه الله ـ موظف البريد البسيط الذي بات علامة فارقة في عالم الفن؛ وكما كتب ذات مرة عمدتنا الأديب محمد صادق دياب في الجريدة الخضراء أن"فوزي علامة فنية مسجلة تصعب سرقتها أو إخفاؤها؛ فهو لم يكن فنانا عابرا في زمن عابر ؛ وإنما كان ولا يزال عنوانا بارزا في مسيرة تاريخنا الفني" .
خطر لي ذلك؛ حين قرأت إجازة الشيخ الكلباني للعرضة النجدية والمزمار الحجازي والخبيتي والسامري؛ وتوقفت عند قوله"إن التحريم المطلق سواء في التمثيل أو الغناء غير صحيح؛ والإجازة المطلقة أيضا غير صحيحة؛ ولدي يجب أن يكون الأمر بالوسطية في كل شيء"؛ حينها همستُ لنفسي "سبحان الله .. كم تأخر هذا القول في الخروج كثيرا !؟ " ثم ترحمتُ أكثر من مرة على عمالقتنا فوزي محسون وعمر كدرس ولطفي زيني وطلال مداح رحمهم الله؛ ودعوت بطول العمر والعافية لغازي علي وحسن دردير وسراج عمر وسامي إحسان وعبد الرحمن الهزاع وغيرهم من هؤلاء الكبار الذين تمّ إحباطهم اجتماعيا بنبذهم جهلا؛ رغم علو قيمهم السلوكية ونبل أخلاقهم؛ دون أي ذنب سوى أنهم لم يكونوا على "مزاجية" الصحوة بتلك الأيام؛ الصحوة التي لم تجد في تصحيح مسارنا الديني آن ذاك سوى التحريم والتحريم والتحريم سدا لباب الذرائع؛ ليدفع هؤلاء ثمنا باهظا لمحاولتهم الارتقاء بالفن وصنع شيء منّا في مجتمع كان يحتاج إليهم كثيرا.
وأتساءل؛ هل كان ينبغي أن يموت بعضهم فقيرا منسيا؛ فيما يحيا بعضهم بيننا يعاني إهمال المؤسسات الثقافية والاجتماعية ؟! بينما من هم بمقامهم بل أقل منهم في مجتمعات أخرى تحولت مساكنهم إلى متاحف ثقافية؛ وعاش منهم من عاش حياة كريمة ومرموقة!! هل كان على هؤلاء أن يعانوا النبذ الاجتماعي لمجرد شبهات من "كُرات الوهم" كوّرتها يد التطرف والغلو ؟! وأتخيل ماذا لو جاءت هذه الفتوى في وسطية التعامل مع الفن والموسيقى آنذاك؛ ترى كم كنّا سنرتقي ونختصر المسافة التي نحتاجها اليوم لذلك ؟! وكيف لا ! والفنون هي من تعزز إحساس الإنسان بالجمال وتدفعه إلى الرقي السلوكي والانفعالي؛ وهي أشياء باتت مفقودة كثيرا اليوم في حياتنا !! يا الله .. كم تأخرت هذه الفتوى لأكثر من ثلاثة عقود ؟! وهل ستتأخر غيرها أكثر فأكثر .. !" ماذا أقول سوى "سبحانه وقدروا عليك .. " وأترك لكم هنا كلماتها في صوت فوزي محسون .. السابق لزمنه وزمننا الذي لن ينسى أبدا مهما حاول كارهو الفن ذلك ..
http://www.youtube.com/watch?v=nJnND5IMDWk&feature=related