في هذه الأيام تتداول الإيميلات الإلكترونية مشهداً أو فيلماً قصيراً يظهر فيه خادم الحرمين الشريفين وهو يمسك بحمامة كانت قد احتبست في منصة حفل كبير في المدينة الرياضية في بريدة بمناسبة افتتاحها على ما أعتقد.. كان هذا في عام 1408هــ أيْ عندما كان الملك عبدالله، أيده الله، ولياً للعهد. المهم أن الملك عبدالله عندما جلس على مقعده المعد له حينذاك، لاحظ وجود حمامة لا تبعد عنه كثيراً تسير على الأرض ورآها كيف تمشي يميناً ويساراً وتدور حول نفسها كمن وجدت نفسها في متاهة وتحاول الخروج من أسر هذا الزحام وصخب الاحتفال الكبير كي تتمكن من الانطلاق والتحليق عالياً في سماء الله. ركز الملك نظره عليها هنيهة من الوقت، وبهدوئه المعتاد ورقته الشفيفة قام من كرسيه وأمسكها بكلتا يديه بمنتهى التؤدة والرفق، ثم عاد إلى مقعده وقد أسفرت عن وجهه ابتسامة الرضا.
لم تجفل الحمامة بين يديه، بل إنها أحست بالأمان أكثر على ما يبدو، فالملك لم يمسك بها ليضيق عليها أو ليتسلى بها، بل كأنما أيقنت هذه الحمامة أنها ولدت من جديد، وأنها ستحلق، عما قريب، في فضاء الحرية المديد، وهذا ما كان، إذ بمجرد أن استوى خادم الحرمين على كرسيه حتى فتح كلتا يديه مطلقاً إياها لتطير عالياً عالياً وتضوع بعطر الملك، تنشر عبقه ورائحته في الأجواء.. عطر إنسانيّ نادر ورائحة نبيلة وعبق كريم أذاعته هذه الحمامة في كون الله: عطر المحبة ورائحة السلام وعبق الحرية، كل ذلك يسيل من يدي عبدالله بن عبدالعزيز!.
لقد كنت أنظر إلى هذا المشهد في عمقه ودلالاته، إنه مشهد يختصر أشياء كثيرة من سيرة الملك، قلباً وعقلاً وحكمة وإنسانية في آن معاً، حتى خلت أن كل الحمام والطيور والعصافير المحبوسة في أقفاصها، هنا وهناك، تناديه ـ حفظه الله ـ كي يأتي إليها ويفتح لها المزاليج كي تخرج وتعانق الحرية من جديد.. بل إن كل حمام الدنيا يطير ثم يعود ليحط على يديه الكريمتين، لأنه منبع السلام والنور والأمل.
والملك عبدالله بسيطٌ مثل نور مطلع الفجر..
شفافٌ كأنهار الماء..
صادقٌ كالحب من أول نظرة..
بل هو أكثر صدقاً، كأنما هو الحب الأول ذاته بنصاعته وطهارته وألقه الشفاف الجميل..
متواضعٌ إلى الحد الذي أرغم (المُلْكَ) ذاته أن يعيد صياغة (بروتوكولاته) و(إتيكيتاته) و(تنظيماته) فتأنسنت السلطة معه وصار الحُكْمُ إنساناً بعد أن غمرهما بمبادئ المحبة والعدل واللطف والمودة والنبل والتسامح وشهامة الفرسان.
والناظر إلى خادم الحرمين أو المستمع إليه سيلحظ بوضوح بساطته الآسرة.. هذا التواضع العذب الذي يتقاطر من تلقائية حديثه وعفوية ابتسامته، وتلك الأصالة المتجذرة، جلياً، في هيئته وملامحه.. وما أكثر مشاهده البسيطة الجميلة البليغة ولا أقول الغريبة، مثل ذلك الرجل المسن، شيخ في الثمانين أو التسعين، رأيته يأخذ بيده ويسنده ليجلس مرتاحاً إلى جواره، ثم يناوله كأس ماء يفيض رحمة وتواضعاً! عشرات الناس، مختلفو الأعمار والسحنات، يأتي بهم حبهم، وأحياناً حبهم وحاجتهم إليه، فيقف لهم طويلاً دون أن يتململ أو يتضجر، يصافحهم بحرارة، يسمع لهم باهتمام، ويبشُّ في وجوههم بضحكة صافية كمياه النبع، ليكون بعد ذلك كله، مستحقاً وحفيّاً بدفقة الرضا والطمأنينة التي يغمره بها الرحمن. ملك وعد فأوفى، وصدق ما عاهد الله عليه بأن ضرب بسيف عدله هامة الظلم والجور، عندما حاصر الفساد حصاراً قوياً في كارثة جدة، وها هو يقود تنمية البلاد علمياً واقتصادياً بجامعته العملاقة، جامعته الرائدة في الأبحاث، جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وعدد من المدن الاقتصادية في أنحاء البلاد كافة.. إنه ببساطة يأخذنا إلى العالم الأول كما يقول الأمير خالد الفيصل. كل الناس في وطني وفي كل مكان يكنون للملك عبدالله محبة خاصة وإعجاباً كبيراً وتقديراً لا يوصف.. وهو يستحق المحبة والإعجاب والتقدير، حفظه الله من كل سوء.