يغفل كثير من الأسر السعودية تنمية الثقافة الاقتصادية لدى أبنائها في وقت مبكر من العمر، وتباينت التبريرات الأسرية حول إغفال ذلك الجانب، بين من يرى أن ذلك يعود إلى عاطفة مفرطة، أو خجل من انكشاف القصور في تلبية الاحتياجات، وقد يكون المضي وفق التربية التقليدية القديمة.

يشير رب الأسرة محمد يوسف إلى أن "المرحلة العصرية التي نعيشها تختلف كليا في معطياتها، ومشكلتنا أننا نسعى إلى تكريس التربية التي تربينا عليها في وقت سابق من الزمن، بالرغم من اختلاف هذه المعطيات التي حولنا، وقد يعود السبب في ذلك إلى عدم القدرة لدى رب الأسرة على التغير في النسق، خوفا من الصدامات التي قد يواجهها في تغير نسق التربية، حيث تربينا على عدم إعطاء الفرصة للأبناء للانخراط في الشأن الاقتصادي في وقت مبكر، حيث كان الأب هو المسؤول الأول والأخير في الأمور المالية، مما جعلنا نواجه عالما غيبيا في الفترة الأولى من الالتحاق بالوظائف الحكومية، والتعاطي مع الظروف الاقتصادية، وتظل تلك التربية المتوارثة في الكثير من الأسر قائمة حتى اليوم".

ويبرر خالد الثقفي (رب أسرة) هذا الأمر بالقول إن "أسلوب التربية القديمة أسهم في خلق ثقافة اقتصادية لإدارة الأمور المنزلية، والتي تقوم على كاهل الرجل فحسب، ومع مرور الوقت باتت بعض الزوجات العاملات في القطاعات الحكومية تشارك الرجل تلك الإدارة، ولكنها متخفية وراء جدار الرجل، لكونه تربى على تلك الثقافة، ولم تحاول الكثير من الأسر توسعة الدائرة لإشراك الأبناء في المهام الاقتصادية، خشية اندفاع الأبناء في تزايد الطلبات غير الضرورية في الحياة، والتفكير اللحظي في الجانب الاقتصادي، وافتقار الرؤية المستقبلية، وغيرها من الأمور التي تجعل الآباء لا يرون إشراك الأبناء في الخطط الاقتصادية مجديا".

ويرى عبدالله يوسف (رب أسرة) أن "إشراك الأبناء في الإدارة الاقتصادية يحتاج مقومات أساسية في ثقافة الآباء بحيث يستطيع خلق التوازن في الإفصاح عن حجم ما يتقاضاه من مرتب وبين المتطلبات الأساسية والثانوية للأسرة وللأبناء، كما أن الكثير من الآباء يفتقر إلى رسم خطة استراتيجية اقتصادية للأسرة يمكن مناقشتها بشكل جماعي داخل الأسرة، وتصحيح مسارها مع مرور الوقت، كما أن نظرة الآباء القاصرة لثقافة الأبناء، وحجم الثورة المعلوماتية التي يتفاعلون معها بشكل يومي عامل مهم لعدم إشراك الأبناء في هذه المسألة المهمة".

كما يشير عبدالله عقال (رب أسرة) إلى أن كشف الأمور المالية أمام الأبناء يكون مخجلا في بعض الأحيان للآباء، لاعتقاد الأب أن هذه الأمور قد تجعل الأبناء ينظرون إلى آبائهم بأنهم يعانون من قصور في تنظيم الأمور المالية، وتلبية احتياجات الأسرة، مما يجعل إخفاءها أكثر أمانا وراحة بال للآباء.

من جهته، يشير أستاذ طب الأسرة والمجتمع بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عدنان البار إلى أن "إشراك الأبناء في أي أمر من أمور الأسرة يعود لقناعة وأهمية رأي المجموعة، فالأسرة هي أهم مجموعة تحيط بالإنسان، ورأيها مهم في كافة مناحي الحياة التي تؤثر على الأسرة تأثيرا مباشرا أو غير مباشر، وعدم إشراك الأبناء هو مؤشر من مؤشرات عدم القناعة بأهمية وجودهم كجزء من منظومة صنع القرار، فالأجداد كانوا يعطون بعض الأبناء جزءا من المسؤولية في المنزل، فالجانب المالي الذي كانوا يسند إليهم ليس من أجل المال فقط، ولكن من أجل بناء الفكر، وكانوا يشركونهم في البيع والشراء، وليس بسبب الحاجة إلى المال بالضرروة، ولكن الآباء أرادوا أن يربونا على الكسب المبكر ولكن بعد هذا الجيل جاء جيل الطفرة، والتحول في حياة المجتمع نحو المدنية والمعاصرة، حيث أصبح الآباء منشغلين عن الأبناء، وصاحب ذلك أن جيل الأبناء وجد متع الحياة والمادة متيسرة، وأصبح يطلب بدون حساب، ولا يعرف كيف يأتي هذا المال، فلا يهتم كيف يصرف أو ينفق".

ويرى الدكتور البار أن إشراك الأبناء في وقت مبكر في الأمور الاقتصادية أمر في غاية الأهمية، ويقول "نحن نعيش في الفترة الحالية في طفرة مالية تواكبها طفرة معرفية، والوعي بأهمية المشاركة في اتخاذ القرار مسألة مهمة جدا، وعلينا أن نحسس أبناءنا أنهم جزء مهم في صناعة القرار، فالنظرة الاقتصادية لرجال الأعمال تتمثل بالتركيز على أن القضية ليست كم عندك، ولكن القضية هي وعيك بما عندك، ووعي كل من شركائك في هذه المسألة، فالأسرة جزء من الشركاء، ولو أدرك الأبناء كيف يأتي المال، يتشكل أيضا لديهم الوعي والقدرة على استقبال كلمة "لا" في حالة عدم القدرة على تلبية تلك الطلبات، وحين يستوعب الأبناء أهمية التخطيط الاقتصادي في حياة الإنسان، وأهمية الصرف بحساب حتى في الأسرة المقتدرة يصبح الأبناء أكثر قدرة على تحمل المسؤولية.