تنتقل مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتشكيل اتحاد أو كيان خليجي واحد، من مرحلة التنظير إلى مرحلة التنفيذ من خلال بدء اجتماعات اللجنة المكلفة بمناقشة التفاصيل التطبيقية لها في الرياض اليوم. ويتوقع أن تقود نقاشات الهيئة الوزارية التي سيتم فيها تبادل للأفكار وقراءة مرجعيات كل دولة، إلى ظهور كيان من المرجح أن يتجه في البداية إلى الوحدة الكونفدرالية التي يرى خبراء إستراتيجيون أنها سهلة التطبيق ضمن تكتل الدول الأعضاء لمجلس التعاون الخليجي، في ظل توافر العناصر لتطبيق عملي لتوصية خادم الحرمين، والتي يمكن من خلالها تشكيل بنية سياسية تضم دول مجلس التعاون.

كونفدرالية

ويتميز "الاتحاد الكونفدرالي الخليجي" المرتقب، بأنه سيكون اتحاداً تعاهدياً - تعاقدياً بين دولتين أو أكثر لتشكيل هذا الكيان من أجل الوصول إلى مصالح مشتركة بشكل دائم أو وقتي محدد الزمن، أو لأجل مواجهة مخاطر مشتركة دائمة أو بشكل وقتي، فيما تختص كل دولة ضمن "الاتحاد" بعاصمتها المستقلة وعلمها الخاص، وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية المستقلة بشكل أحادي منفصل عن سلطات الدول الأخرى في الاتحاد.

كما تتميز فكرة الاتحاد، بدستور خاص لكل دولة وعملتها الواحدة والبنك المركزي المستقل لكل منها، فيما تمثل كل دولة ذاتها سياسياً ودبلوماسياً، مع إمكانية التحول إلى دولة أو أكثر، ضمن الاتحاد الكونفدرالي، إلى اتحاد فدرالي إذا تم الاتفاق بينها دون الإضرار بالعلاقة مع الدول الأخرى في الاتحاد.

تعزيز المكتسبات

وعلمت "الوطن" من مصادر مطلعة، أن الاجتماع الذي سينعقد اليوم سيضع من ضمن أولوياته الشؤون الاقتصادية الخليجية، وكيفية الحفاظ على المكتسبات التي تم العمل عليها في السابق، وهي المكتسبات التي خدمت القطاع الاقتصادي الخليجي، إضافة إلى كيفية تطويرها من الناحية الإيجابية، إضافة إلى ضرورة وجود عملة خليجية موحدة تعزز من هذه المكتسبات عقب التحول إلى اتحاد خليجي.

وأكد رئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، تأييده للجهود التي تبذلها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أجل تفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إقامة الاتحاد الخليجي. وقال إن هذا التوجه يعكس إيمان القادة بأن أمن الخليج كلٌ لا يتجزأ، وقال إن أغلب هذه الدول لديها نزوع نحو تكتل اقتصادي وسياسي يعمل على تقوية موقفها استجابة لحاجات ملحة إقليمية ودولية تستهدف الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.

المخرج الوحيد

ورأى الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية، عبدالرحيم نقي، في تصريح إلى "الوطن"، أن مبادرة خادم الحرمين هي "المخرج الوحيد أمام دول الخليج لمواجهة - ما ذكره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - المرحلة المقبلة المليئة بالتحديات"، مؤكداً أن "التدرج في عقد الاجتماعات حول الانتقال إلى مرحلة "الاتحاد" هو تطور ملموس". وشدد نقي على "الاحتذاء بالنماذج الناجحة في عملية الاتحاد مثل التجربة التركية والماليزية وأيضاً تجربة الولايات المتحدة الأميركية التي عززت من وجود القطاع الخاص الذي يعتبر نوعاً ما مهمشاً في دول الخليج". وأوضح أن "الاتحاد الخليجي سيعمل على تحقيق نتائج مذهلة وتشكيل قوة اقتصادية لا يستهان بها تّقدر بتريليوني دولار، تؤثر في حجم الاقتصاد العالمي، خصوصاً أن الدور التنموي في دول الخليج مرتبط بالضمان الأمني، وهو ما لا يتحقق من دون وجود اتحاد خليجي حقيقي".

منظومة الدفاع

واعتبر مدير مركز "سيريس للدراسات الإستراتيجية" في باريس، الدكتور محمد السعدني، أن الأولويات في هذه المرحلة هي الاتجاه إلى الاتحاد الكونفدرالي الذي يسهل العمل المشترك بين الدول الأعضاء للتكامل العسكري والأمني لمواجهة التحديات القانونية للتكامل في هذه الجوانب الأساسية مع وجود تحديات مختلفة إقليمية، وبين السعدني لـ"الوطن" أن "الاتحاد الكونفدرالي سيعطي القوة لمنظومة الدفاع الجوي الخليجية التي تصبح بتكاملها قادرة على مواجهة التهديدات الإقليمية.

وأضاف السعدني أن التكامل العسكري اليوم في دول الخليج متوفر بشكل محدود من خلال درع الجزيرة، لكنه سيصبح أكثر تداخلا واستقراراً في الاتحاد، لأنه سيشتمل على تحديد عناصر القوة والضعف لدى الاتحاد، وبالتالي تغطيته من خلال المشتريات العسكرية الموحدة والتصنيع المشترك، مبيناً أن الاتحاد يعطي قدرة إضافية لعمل المؤسسات الأمنية بفاعلية على المستوى الداخلي بسرعة ودقة أكبر، وعلى المستوى الاستخباراتي واستخدام القدرات الإضافية من أقمار صناعية وبرامج ومواقع نفوذ جغرافي جيوسياسي لكل دول الاتحاد التي تعيش مصيراً مشتركاً شاهدنا قوته في استعادة الكويت بعد العدوان العراقي.

السياسة الخارجية

وأوضح أن العنصر الثاني الأساسي في الاتحاد الخليجي هو السياسة الخارجية، بعد أن أثبت أنه قوة فاعلة في معالجة الأزمات الدولية من خلال تصديه للأزمة الليبية، وصولاً إلى تشكيل قوة في الجامعة العربية ومجلس الأمن لتأمين حماية الشعب الليبي، ثم في الأزمة اليمنية وأخيراً الأزمة السورية.

واتفق مع السعدني مدير قسم الدراسات الدفاعية والأمنية في مركز الخليج للأبحاث، الدكتور مصطفى العاني، الذي رأى أن تطوير التعاون والوحدة العسكرية والأمنية، يعتبر الأولوية اليوم أمام دول مجلس التعاون، مشدداً على أن هذه الدول يجب أن تتجه لهذا الخيار الذي يمكنها من خلاله مواجهة التطورات الإقليمية والدولية التي تزداد حدة، مؤكداً أن هذه القضية أصبحت ملحة من خلال تكامل عسكري وأمني يمكن لكافة الدول أن تؤمن نفسها من خلاله.

واعتبر العاني في تصريح لـ"الوطن" أن التعاون الاقتصادي الخليجي يمكن أن يتطور مع وجود الاتحاد ليتجاوز الشكليات التي تعيق التعجيل بالعملة الموحدة، واستدرك قائلا: "وبالرغم من أهمية التعاون الخليجي الاقتصادي، لكنه لا يحمل ذات الأولويات المرتبطة بالجوانب العسكرية والأمنية وتوحيد التصور للسياسة الخارجية الخليجية".

العملة الموحدة

ويبدو أن مشروع الاتحاد الخليجي سيفتح الباب مجدداً ليرى مشروع العملة الخليجية الموحدة النور خلال وقت أقرب مما كان يتوقعه الجميع، كما أن هذا الاتحاد، بحسب رأي خبير مالي واقتصادي تحدث إلى "الوطن" أمس، سيضع من ضمن أولوياته الاقتصادية أن يكون لدى دول المجلس عملة خليجية موحدة، تزيد من قوة واستقرار الاقتصاد الخليجي، وتساهم في الوقت ذاته بزيادة القوة التفاوضية التجارية مع بقية دول العالم.

وفي ذات الاتجاه أوضح الخبير الاقتصادي والمالي، عبد الحميد العمري، في حديث إلى "الوطن" أن عملية التحول من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في المجال الاقتصادي تتطلب وجود عملة خليجية موحدة. مشيرا إلى أن حال إتمام المشروع سيعزز من قدرة دول الخليج في التفاوض مع بقية دول العالم اقتصادياً وتجارياً.

أقوى من الاتحاد الأوروبي

وشدد العمري على أهمية تسريع كل الخطوات التي ستقود إلى تحقيق مشروع الاتحاد الخليجي، مبيناً أن دول الخليج حال تحولها إلى اتحاد ستكون أقوى اقتصادياً من دول الاتحاد الأوروبي. وأشار العمري إلى أنه من مصلحة دول مجلس التعاون أن يتم حسم ملف التحول إلى اتحاد بسرعة عالية.

تجارب ناجحة

ووجد الكاتب السياسي العماني حمود الطويرقي أن هناك جدية في تحول دول الخليج من مرحلة "التعاون" إلى مرحلة "الاتحاد". وقال لـ "الوطن": مرّت دول الخليج بتجربة ناجحة في فترة التعاون وحققت كثيراً من الأمور على الرغم من إقرار السلطة بأنها كانت بطيئة نوعاً ما، ولكنّها تعتبر تعزيزاً واستعداداً للانتقال إلى مرحلة "الاتحاد" الجديدة التي ستفعّل التكتل الخليجي الذي يعتبر التجمع العربي الوحيد الصامد حتى الآن في الوطن العربي. وأكد الطويرقي النظرة الشعبية في عُمان إلى مقترح خادم الحرمين الشريفين، مؤكداً أن "كل العمانيين رحّبوا بذلك لما سيكون لهذا التحول من تأثير إيجابي على دول الخليج.


.. والمثقفون يطالبون بحماية المكاسب الخليجية

الرياض: واس

تحوّلت حلقة نقاش نظمتها اللجنة الثقافية لمهرجان الجنادرية بالتعاون مع معهد الدراسات الديبلوماسية تحت عنوان "دول الخليج العربية من التعاون إلى الاتحاد: حلم الشعوب.. وقرارات القادة"، إلى مناسبة حث خلالها المثقفون الخليجيون المشاركون، القادة على بذل الجهود لتنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الهادفة إلى نقل مجلس التعاون من صيغة التعاون إلى الاتحاد والتي "تأتي في ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد".

ووسع المشاركون، وهم نخبة من المثقفين السعوديين والخليجيين، الحوار ليشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لنتائج الاتحاد الخليجي المرتقب، نظرا إلى أن المبادرة تهدف إلى تعزيز تلاحم دول مجلس التعاون من أجل حماية المكاسب الوطنية والخليجية.

وشددوا على أهمية العمل على تجسيد مبادرة خادم الحرمين الشريفين، الداعية إلى إقامة اتحاد خليجي، ووضع الآليات الفاعلة لتحقيقها خصوصا أنها تمثل مطلبا شعبيا وضرورة استراتيجية ومصلحة ملحة، مؤكدين أن المبادرة تشكل خطوة تاريخية تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة، وتعبر عن قراءة واقعية لما قد يحمله المستقبل من تحديات تستلزم العمل بروح وحدوية فاعلة، وعلى ضرورة أن يكون الاتحاد كيانا استراتيجيا ودفاعيا يشكل حصنا منيعا لدول مجلس التعاون في مواجهة الأخطار الخارجية، وليمثل رسالة للقوى الإقليمية والدولية على تماسك شعوب ودول الخليج العربية.

وأكدوا، أن مسؤولية تحقيق أمن المنطقة واستقرارها، تقع على كاهل أبنائها ودولها، وعلى الاتحاد الخليجي العمل على وضع مفهوم استراتيجي شامل يتضمن آليات فاعلة للدفاع المشترك، وردع التهديدات الخارجية المحتملة في إطار مظلة خليجية واحدة ومتكاملة.

وشدد المشاركون في الحلقة، على أهمية أن يعكس الاتحاد التماسك السياسي والدبلوماسي الخليجي على نحو يزيد من مكانة دول الخليج العربية وثقلها إقليميا ودوليا، ويحقق أمنها واستقرارها.ونبه المشاركون إلى ضرورة أن يعكس الاتحاد قوة دول الخليج العربية بوصفها مصدرا رئيسيا للطاقة العالمية، وأحد الشركاء العالميين لتوفير الطاقة على نحو يعزز استقرار الاقتصاد العالمي، ويدعم مكانة دول الخليج العربية على المشهدين السياسي والاقتصادي الدولي، والتأكيد على إيجاد مجتمع خليجي قوي متماسك الوحدة الداخلية وذي نسيج اجتماعي مترابط مهما اختلفت الفروقات الاجتماعية أو المذهبية، وذلك لمواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية، مطالبين بـ"تعزيز البنية الداخلية للاتحاد بالمشاركة السياسية وتطوير آلياتها، والرقي بمجتمعات دول الخليج العربية وشعوبها في مجال التنمية، وفتح المجالات للشباب للإبداع".