الإنسان الغيور على وطنه دائماً تجده غيورا على مصالحه، على ترابه، على ممتلكاته وتقنياته، حريصا على سمعته وشرفه، حريصا على مقدراته وخيراته، وكأنه شرفه، ومن الحرص كأنه جسده أو بيته، لكن وسائل الاتصال كالأرضة تنخر فينا بأفكارها صباح مساء دون حول ولا قوة، خلقت في شرائح من المجتمع بشتى طبقاته وفئاته عدم استشعار المسؤولية، وأضحت لا تبالي بالنتائج على المدى القريب أو البعيد، تعد تلك الشرائح في قائمة الفاشلين الذين يعملون ولا يفكرون أو يفكرون ولا يعملون.
ويجن جنون الغيور والحريص عندما يرى أن أهم مقدرات الوطن (الشباب) تذهب هباءً، ففي طلائع القرن الماضي كانت أوروبا تعتمد في ثورتها الصناعية على المواد الخام بمقدار 70% التي تؤخذ قهراً من هنا وهناك و30% على القوى البشرية ولم تشعر أن الإنسان هو المحور الأساسي في العملية التنموية وتطويع كل ما تسلبه عياناً وخفية، وبعدما أفاقت من غيبوبتها أيقنت أن الإنسان بعمله وعقله وحنكته هو المتحكم والمتصرف في كل ما تجلبه دولهم من مستعمراتها المترامية، فتداركت الوضع وغيرت من سياستها وقلبت الأمور رأسا على عقب، فركزت اعتمادها على الإنسان أولاً بمقدار 70% بينما المواد الخام بمقدار 30%، فمن هنا قامت الثورة الزراعية والصناعية، ولم يصل الاعتماد على الأوروبي إلى هذه الدرجة من فراغ بل كرست جهودها ورسمت خططها المستقبلية واستقطبت العقول واستفادت من تراث المسلمين في بلاد الأندلس للرقي بهذا المخلوق لتستشرف من خلاله على نهضة بلغت عنان السماء. وعلى النقيض في بلادنا يسعى الصف الأول في الدولة لبناء جيل يخدم دينه ووطنه وأمته لكن برز في الصف الثاني والثالث الاهتمامات الشخصية فوق كل الاعتبارات، أما المسؤولية الملقاة على عاتقه ففي هامش شعوره.
فإذا نظرت إلى واقع العملية التعليمية في المراحل المتعددة ثم أمعنت النظر تجد تأخرا ملحوظا، ولا أتحدث عن المناهج الحديثة والمعامل والمختبرات والوسائل المصاحبة ولكن عندما دخلت الثانوية التي أدرس فيها بالإضافة إلى خمسين مدرسة بنين وبنات قبل أربع سنوات عالم التقنية في أساليبها التعليمية واستبشر أكاديميوها بهذه النقلة النوعية وتعدد مصادر المعرفة وتنوع طرق التدريس والاتصال بالعالم من داخل قاعة الدرس اتضح أنها مجرد سحابة صيف، سنة واحدة ثم بدأت في رحلة العودة، خراب في أجهزة الكمبيوتر، وأعطال في السبورة التفاعلية "الذكية" ونفاد مدة شمعة البروجكتر تخللها خطابات ومطالبات وشكوى للمسؤولين الزائرين ووعود سراب، فضاعت طرق التدريس وتفاعلية الطلاب وعاد المعلم للكتاب وبقيت الأجهزة آثارا وعهدة.