منذ حوالي ربع قرن أتذكر أن بعض المعلمين اشتهر في منطقته لأن المدارس تتقاذفه سنويا عبر حركات النقل إذ لا يقضي في أي مدرسة أكثر من عام دراسي بسبب ما يدعيه مديرو المدارس من إهماله أو ضعف أدائه أو مشاغبته، وكان مديرو المدارس يكرس كل منهم جهده في نهاية كل عام لتنظيف مدرسته من هذه النوعية من المعلمين الذين يجري عبر حركة النقل الداخلي نقلهم إلى مدارس أخرى باعتبار النقل هو العلاج الوحيد لحالهم ودون النظر في وسائل علاج أخرى، ولا أدري إن كان هذا الوضع ما زال قائما في التعليم إلى الآن أم إن الزمن مكن القائمين عليه من إيجاد حلول غير تقاذف المشكلة ونقلها من موقع لآخر دون فحص حقيقتها وعلاجها في مكانها.
تذكرت هذه الحال وأنا أقرأ ما قررته أمانة جدة من نقل أكثر من أربعمائة موظف إلى جهات حكومية أخرى بسبب ضعف شهاداتهم وقلة كفاءتهم، ولست أدري كيف تم اكتشاف هذا الضعف في الشهادة والتدني في الكفاءة لكل هذا العدد دفعة واحدة، كما لا أدري كيف سيتم تسويقهم للجهات الحكومية الأخرى المقترحة وهم بهذه الصفة المرفوضة بداهة، لقد ظننت في بادئ الأمر أن هناك خطأ – ما – لكن مع استمرار تكرار نشر الخبر بنفس الصيغة وعدم نفي الأمانة فإن الأمر حقيقي كما يبدو، لهذا وقبل نقل المشكلة كما هي إلى جهات أخرى تقدم خدماتها للجمهور لابد من فحص الأمر في مكانه، أقصد لابد من التأكد من هذا الضعف في التأهيل والتدني في الكفاءة ثم معالجته بطريقة أخرى غير النقل، وأنا هنا لا أعترض على نقلهم من الأمانة إن كانوا لا يصلحون للعمل فيها، لكن قبل ذلك لابد من السؤال عن كيفية توظيفهم فيها وهم ضعيفو التأهيل والكفاءة ثم لابد من معالجة هذا الضعف عن طريق إعادة التأهيل أو التدريب قبل تمكينهم من عمل آخر في جهة حكومية أخرى سينتقل إليها الضرر حتما، خاصة أن الانتقال موضوع ضمن الاختيار بين ثلاث جهات حددتها الأمانة لموظفيها الذين ترغب في التخلص منهم.
تدوير مشكلة هؤلاء الموظفين بين الجهات الحكومية ليس حلا بل هو تضخيم للمشكلة وتكريس لها، كما أن وصف أكثر من أربعمائة موظف في جهة واحدة بضعف التأهيل وتدني الأداء مدعاة للتساؤل والدهشة، ويتطلب شرحا وتوضيحا من أمانة جدة .