إن الكيان الصهيوني لديه حساسية مفرطة تجاه لفظ (الحرية) أو ( freedom أو Liberty)، أو أي كلمة تحمل هذا المعنى، حساسية تدفعه للقصف العشوائي، أو لقتل واستئصال رموزها، فالحرية لفظ يثير فيهم المخاوف والجنون فيفقدون ما بقي لهم من عقل، هذا إذا كانوا في الأصل يملكون العقل، فمجرد التلويح بالحرية.. يدفعهم لاستراتيجية دموية قديمة اعتمدوها وطبقوها منذ عقود، هذا الكيان لا يحترم القانون الدولي، ولا يستوعب الغضب العالمي، ولا يقدر أخطار تصرفاته الهمجية، كيان طفيلي لا يحترم الإنسان والعالم ولا حتى حلفاءه الأوفياء، فمنذ أيام مارس همجيته واعتدى على قافلة الحرية التي كانت تبحر في المياه الدولية، تاركا خلفه عشرات القتلى وعشرات الجرحى، وفي 8 يونيو1967م، هاجم هذا الكيان السفينة الأمريكية (ليبرتي Liberty) المبحرة على مقربة من المياه الإقليمية المصرية، فعل ذلك وهو على علم أنها لا تملك قدرة قتالية، وأن مهمتها تنحصر في مراقبة الاتصالات اللاسلكية بين طرفي النزاع في الحرب الدائرة حينئذ بين مصر والاحتلال الصهيوني، ولم يغادر الموقع إلا بعد أن خلف (34) قتيلا (171) مصابا، وهيكلا متهالكا لسفينة تابعة للأسطول الأمريكي يدل اسمها على الحرية.

إن (قافلة الحرية) ضمت 750 ناشطا ينتمون إلى أربعين دولة. عربية وإسلامية وغربية وآسيوية بل إسرائيلية وأمريكية، شملت شخصيات عامة لها دور سياسي وإنساني معروف، إلا أن ما لفت نظري في هؤلاء هو"جو ميدورس" أحد الناجين من كارثة (ليبرتي)، فما الذي دفع هذا الجندي المخضرم للتضامن مع هذه القافلة، إن تضامنه يؤكد أن الذاكرة البشرية لا يمكن أن تختفي، وأن التاريخ لم ينس ولن ينسى جرائم هذا الكيان، فذاكرة ذاك الجندي أبت أن تنسى وحشية وإجرام الصهاينة فهب وبعد أن خط الشيب رأسه لمساندة أهل غزة المحاصرين وتقديم العون الإنساني لهم.

ومن الغريب حقاً أن هذا الكيان اعتمد ويعتمد نفس التبريرات ونفس الأكاذيب التي سمعها ويسمعها العالم منه منذ احتلاله فلسطين العربية، وهذا ما صدر من ساسته في كلتا الجريمتين، ففي المرة الأولى لام هذا الكيان خصومه فادعى كذبا أن السفينة (ليبرتي) لم تكن تحمل علامات توضح جنسيتها الأمريكية وهذا كذب فاضح وبشهادة الشهود، وفي الثانية لام الضحايا العزل تماما من أي سلاح، الذين بحسب قوله روعوا جنوده المدججين بالسلاح فكان لزاما الدفاع عن أنفسهم بقتل مدنيين عزل أعلنوا مهمتهم الإنسانية للعالم أجمع، وحددوها في إيصال العون الإنساني لسكان غزة المحاصرين، ومن ناحية أخرى استمر القصف في كلتا الجريمتين بما يزيد عن الساعة!




وماذا بعد.. لا أعتقد أن الشجب والاستنكار كاف لردع أمثال هؤلاء ممن يقتاتون على جثث البشر، ممن لا يردعهم رادع من أخلاق أو قيم إنسانية، هؤلاء لا يلزمهم القانون الدولي بأي التزام، هؤلاء لا يهدأ لهم بال إلا بسفك الدماء وتجويع البشر وترويع الأطفال، واستفزاز العالم بارتكابهم جرائم الحرب جهارا نهارا، ولأنه لا معنى للحياة دون حرية، ولا معنى لها ونحن مقيدون عاجزون عن إيقاف صفاقة وإجرام هذا الكيان وتكبيل أطرافه، ولأننا لا نريد سلام الضعفاء، ولا نريد تكميم الأفواه من قبل شرذمة اعتقدت أن لها الحق في قتلنا وتجويعنا واحتلال أراضينا.. نطالب قادتنا بتفعيل قرارات جاءت في بيان وزراء الخارجية العرب الذين تباحثوا تحت قبة جامعة الدول العربية، حول ما يجب فعله تجاه هذا التجاوز السافر ليؤكد ضرورة "كسر الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، والالتزام بإيصال المعونات الطبية والأغذية ومواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار وغيرها من الاحتياجات الضرورية للشعب الفلسطيني في القطاع بشتى الوسائل، وتحميل إسرائيل المسؤولية الدولية المترتبة على التعرض للمعونات الإنسانية والاحتياجات الضرورية لإعادة الإعمار، وعدم فتح جميع المعابر أمام حركة الأفراد والبضائع"، وأوصى المجلس برفع توصية لقادة العالم العربي بشأن تنفيذ ما ورد في كلمة خادم الحرمين في القمة الاقتصادية في الكويت في يناير 2009 بأن المبادرة العربية لن تبقى على المائدة طويلا.

كما طالب مجلس الجامعة العربية بتنسيق التحرك العربي مع تركيا والجهات المعنية الأخرى لرفع دعاوى أمام جهات التقاضي الوطنية والدولية المختصة وعلى رأسها محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، أحمد المولى سبحانه أن مفردات الشجب والإدانة اختفت من قاموس الدول العربية وحكوماتها، وأتمنى أن نعايش تفعيل قراراتهم على أرض الواقع فنرى الحصار قد كسر وإعمار غزة قد بدأ، كما وأحمد المولى سبحانه لأن الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) أعلن أن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة يجب أن يرفع فورا. فهو غير مقبول وغير أخلاقي.

نعم .. "رب ضارة نافعة" فهذه الجريمة لم تقع على العرب والمسلمين فقط، وإلا لتجاهلها العالم كعادته ووصمها بالإرهاب، لقد وقعت على مدنيين من مشارق الأرض ومغاربها مسلمين وغير مسلمين، عرب وغير عرب، مدنيين سيحكون ما حدث وسيظهرون لشعوبهم وللعالم حقيقة ووحشية كيان امتهن الجريمة، وسيسطرون بأقلامهم فظائع تفرد وتفنن هذا الكيان في تطبيقها.

وأخيرا يطيب لي تهنئة أسر الشهداء تقبلهم الله بواسع رحمته، وألهمهم الصبر والسلوان، وأعان الله سبحانه قادة العالم على ألا يهدروا تضحيات شهدائنا باجتماعات لا تنتهي لقرارات أممية نافذة لكسر الحصار، كما أوجه الشكر والتقدير لكل إنسان أوروبي أو أمريكي أو آسيوي أو إفريقي أو حتى إسرائيلي، شارك في قافلة الحرية متضامنا مع المحاصرين في غزة، وساعيا لتقديم العون الإنساني لهم، فما حدث لقافلة الحرية سيكون له الأثر الطيب على غزة وأهلها بحول الله.