تعقيبا على أزمة الديون السيادية اليونانية، التي نتجت عن توسع الحكومة اليونانية في الاقتراض بما يفوق طاقتها، أكد وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف لوسائل الإعلام أن المملكة لن تقوم بالاقتراض حتى يصل الدين العام إلى نسبة 10% من إجمالي الناتج المحلي. بالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة لن تتجاوز سقف المصروفات المحدد في ميزانية العام 2010، رغبة في السيطرة على التضخم. هذه التصريحات هدفها طمأنة الشارع الاقتصادي بمتانة موقف المملكة اقتصاديا، وأنها منضبطة ماليا على الرغم من توافر سيولة كبيرة ناتجة عن الفوائض النفطية. ولكن قد يكون لهذا الانضباط الشديد والجمود في السياسة المالية نتائج عكسية، لن تؤثر على ملاءة المملكة ماليا، إنما على القدرة الشرائية للمواطن. وقبيل اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، فاق معدل التضخم نسبة 10% بفعل زيادة أسعار المواد المستوردة. ولكن مع دخول العالم في مرحلة الكساد، تراجعت الضغوط التضخمية الخارجية وبقيت المحلية. التضخم المحلي ينتج عن زيادة السيولة في أيدي المستهلكين، الأمر الذي يدفعهم للتهافت على شراء السلع الاستهلاكية، وبذلك يرتفع الطلب الكلي وترتفع الأسعار تباعا. الزيادة في السيولة جاءت كنتيجة لسهولة وانخفاض تكلفة القروض البنكية، والتي حفزت أفراد الطبقة المتوسطة على الاستهلاك على نطاق واسع. أما بالنسبة للإنفاق الحكومي المتزايد عاما بعد عام، فإن جل مصارفه تتجه إلى مشاريع البنى التحتية، ولذلك فإن هذه المصاريف تعد استثمارا لرأس المال، لا استنزافا لموارد الدولة. علاوة على أن الآثار التضخمية الناتجة عن هذا الإنفاق محدودة. فالمستفيد الأهم من أموال هذه المشاريع هم عمالة قطاع التشييد والبناء عمالة أجنبية لا تساهم في زيادة السيولة داخل الاقتصاد، أو أصحاب شركات المقاولات، والذين عادة ما تكون معدلات نفقاتهم الاستهلاكية متدنية جدا بسبب ارتفاع دخلهم.
لقد بدأ الارتفاع في السلع المستوردة، واليوم يتركز في القطاع العقاري. حيث إن المكون الرئيس في معدلات التضخم الحالية، والتي تقف عند 5% تقريبا، هي إيجارات المساكن. استمرار معدلات التضخم في الارتفاع يدل على توافر السيولة، وإن لم تكن بنفس مستويات الأعوام الثلاثة الأخيرة. يمكن لوزارة المالية استخدام سياسة مالية مرنة تتيح لها الاقتراض المباشر من المواطنين لسحب السيولة. فالاكتتابات الضخمة لم تعد جاذبة كما اتضح في اكتتاب مدينة المعرفة. تخفيض السيولة سيحد من الطلب غير المبرر، ولكن في القطاع العقاري، فإن المشكلة أزمة في العرض. ولذلك يمكن استخدام حصيلة الأموال المقترضة في مشاريع إنشائية طويلة الأجل تساهم في حل أزمة العقار، كتأهيل الأراضي البيضاء بكافة الخدمات. وبذلك تنخفض تكاليف التطوير ومن ثم الإيجارات ويتم حماية القوة الشرائية للريال.