العمر ذلك الغيم الشارد كالقطن في مهب الريح . مهما حاولنا الإمساك به. وجاهدنا في سبيل اعتقاله. فلا نبرح أن نشعر بفراره وركضه كالخيول المذعورة. يلسعنا رحيله الحارق فتدوي في أعماقنا الأيام الشائكة. وعاصفة الوجع المستبد، فالزمن ماثل أمامنا في صخب الدروب. في رنة الدقائق. في سواكن الكائنات. في الضوء والعتمة. في ورقة التقويم. في المرئي والغائب. في غلبة العقل والتأمل. في شروق الشمس وغروبها. يقول الأستاذ أحمد حسن الخميسي: إن أبا الفرج الجوزي قسم مواسم العمر إلى خمسة أقسام: زمن الطفولة. زمن الشباب. زمن الكهولة. زمن الشيخوخة. زمن الهرم. وأحمد الله أنني لا أزال في الموسم الثاني كما أعتقد. رغم الصورة البائسة التي تعتلي هذا المقال. ورغم حفيظة النفوس أو البطاقة التي أتمنى ضياعها وعدم العثور عليها. ونفي كل أصدقائي إلى ما وراء أعالي البحار. بينما يقبع صديقي الدكتور علي موسى في الموسم الخامس (الهرم) نعود إلى موضوع العنوان وهو كلمة (شيخ) والتي كثر ترديدها على الألسنة وفي أحاديث الناس والتي تعطي معنى غير ما استقر في الأذهان. فقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم أربع مرات كقوله تعالى في سورة غافر (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون) وفي سورة يوسف (قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيرا.... الآية) وفي سورة هود (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) وفي سورة القصص (قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) كما وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري في صحيحه (وشيخ زانٍ.. الحديث). أما المرأة فقد سماها القرآن الكريم عجوز وهي المرأة المسنة كما في سورة هود وكذلك سورة الذاريات (فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) وفي سورة الشعراء والصافات (إلا عجوزاً في الغابرين) ومن مظاهر الشيخوخة والهرم: تساقط الأسنان. وبحة الصوت. وتصلب الشرايين. ورقة العظم. وتقوس الظهر. ورعشة اليدين. والخرف. وجفاف الجلد. وكم يزعجني أن كثيراً من هذه الإشارات بدأت تظهر على صديقي الحميم الشيخ الدكتور علي موسى شافاه الله وحفظ له ضميره المتصل كي لا ينفصل بفعل الهرم والشيخوخة.