في الوقت الذي استبشر فيه أهالي الحدود الشمالية بانفراج أزمة المباني المستأجرة بعد إعلان إدارة التربية والتعليم بالمنطقة عن رغبتها في شراء مواقع لإنشاء مبان لمدارس نموذجية، إلا أن المساحات المطلوبة لا يمكن توفرها في المواقع التي حددتها إدارة التعليم بالحدود الشمالية، وهو ما يعزز بقاء نحو 97 مدرسة في مبانيها المستأجرة من أصل 350 مبنى بالمنطقة.
وهو ما يعيد القلق لأولياء الأمور من البيئة التعليمية المتهالكة التي يقضي فيها أبناؤهم نحو 5 ساعات يوميا لتلقي تعليم نظري فقط، في فصول ضيقة لا يمكن أن يتوفر فيها الجو التعليمي المناسب لمرحلة التطوير التي يمر بها التعليم العام في المملكة، في الوقت الذي أجرت فيه إدارة التربية والتعليم بالحدود الشمالية مباني لمدارس حكومية في عرعر ورفحاء على جامعة الحدود الشمالية، وجددت عقود مبان متهالكة.
تجديد عقود
ورغم قدم بعض المباني المستأجرة، إلا أن هناك عقودا تجدد منذ ما يقارب 20 عاما رغم قدم هذه المباني وتهالكها، كما أن الدفاع المدني أخلى مسؤوليته عن بعض هذه المباني لعدم صلاحيتها كونها تشكل خطرا على منسوبيها، كما هو الحال مع الابتدائية التاسعة بعرعر والذي سبق وأن وقعت في المبنى حوادث تماس كهربائية قبل عامين أخليت بسببها المدرسة من الطالبات والمعلمات نشرت "الوطن" تقريرا عنها في عددها الصادر بتاريخ 8-1-2012.
تكدس للطلاب
من جانبه، اعتبر المعلم عاطف العنزي قيام إدارة التربية والتعليم في الحدود الشمالية بالتوسع في استئجار المباني هدرا للموارد المالية في مبان لا تصلح أن توفر الجو المناسب للتعليم، وأضاف "عند استئجار المباني المخصصة أصلا للسكن تكون أغلب الغرف مساحتها لا تتجاوز 5 × 4 أمتار، كما أن الغرف أصلا تكون محدودة مما يضطرنا إلى تكديس الطلاب في الفصول وهو ما يجعل عملية التعليم والتعلم مفقودة، فالمعلم يحتاج إلى وقت أطول لإيصال المادة العلمية، وعدم قدرته على متابعة تحصيل الطلاب".
وأضاف "ضيق الغرف في هذه المدارس وقلة عددها يتسبب في حرمان أغلب سكان الحي القريبين من الاستفادة منها، وتسجيل أبنائهم فيها ويجبرهم على البحث عن فرصة إلحاق أبنائهم بركب التعليم بمدارس أخرى أبعد عن منازلهم".
واستغرب العنزي من التناقض في قرارات التربية والتعليم بالحدود الشمالية، وقال "إدارة التعليم قامت بتأجير مبانيها المدرسية الحكومية الجاهزة في كل من عرعر ورفحاء على جامعة الحدود الشمالية، التي لديها ميزانية ضخمة لتأسيس مبانيها، وتحرم طلاب التعليم العام من الدراسة في المدارس المخصصة لهم، وتبحث عن مبان مستأجرة".
فيما تساءل أحد أولياء الأمور رافع العنزي عن سبب عدم وجود مدرسة حكومية نموذجية في حي الجوهرة بعرعر، وقال "الحي يشهد كثافة سكانية متزايدة منذ 10 أعوام"، وأضاف "كما أن المباني المستأجرة والتي تكثر في الأحياء المجاورة لم تعد تتسع لأبنائنا، مما يجعلنا نبحث عن المدارس الحكومية في الأحياء الأخرى وتسجيل أبنائنا فيها" وتابع "وبعد المدارس عن منازلنا يضعنا في إحراج على مستوى العمل، حيث تكثر الاستئذانات لإعادة الطلاب إلى المنازل".
الحل.. المدارس الخاصة
وربط رافع العنزي بين زيادة عدد المدارس الخاصة والمدارس الحكومية في الأحياء، بقوله "حالة غريبة تشهدها أحياء عرعر حيث تكثر المدارس الخاصة وتختفي الحكومية، وهو ما يجبر الأهالي على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة لقلة المدارس الحكومية وإن وجدت فيكون الزحام شديدا عليها".
مشكلة قائمة
وتساءل محمد الرويلي - ولي أمر – إلى متى تستمر المدارس المستأجرة في الحدود الشمالية؟. وقال "لا أعلم متى تنتهي المباني المستأجرة من خارج عرعر بشكل خاص والحدود الشمالية بشكل عام"، وأضاف "أن المشكلة قائمة وستستمر إلى أمد طويل، فأتمنى من المسؤولين في تعليم الحدود الشمالية أن يراعوا عند استئجار المباني توفر بيئة تعليمية جيدة على الأقل"، وأضاف "جل المباني المستأجرة حاليا متهالكة وغير ملائمة للبيئة التعليمية الآمنة، وتشكل خطرا على الطلاب والطالبات". مشيرا إلى تدني الخدمات التعليمية الأساسية في المباني المستأجرة، وقال "هناك مبان مدرسية مضى على استئجارها ما يقارب 20 عاما أصبحت قديمة ولا تصلح أن تقام فيها حصة واحدة بسبب تردي وسوء حالة الغرف الصفية والمرافق التابعة لها التي انعكست على القدرات التربوية للطلبة والمعلمين على حد سواء إلا أنها ما زالت قائمة".
مشاكل الصيانة
من جانبه قال مدير إحدى المدارس المستأجرة بالمنطقة - فضل عدم ذكر اسمه - "إن من أهم التحديات التي تواجه مديري المدارس المستأجرة بالمنطقة بعد مشكلة تكدس الطلاب داخل الفصول الدراسية.. هي الصيانة" وتابع "لاسيما إذا كان مالك المدرسة من النوع الذي يماطل في عمل الصيانة الدورية، ولا يتقيد بالعقد المبرم بينه وبين إدارة التربية والتعليم" لافتا إلى أنه يضطر مع كل بداية فصل دراسي إلى عمل صيانة للمدرسة من جيبه الخاص أو بمساعدة زملائه المعلمين لخلق جو تعليمي للطلاب.
وقال "لا توجد في معظم المدارس المستأجرة بالمنطقة معامل أو ملاعب رياضية ولا يعرف طلاب المدارس المستأجرة شكل المعمل أو المختبر المدرسي في الوقت الذي تعتمد فيه المناهج العلمية الجديدة على التطبيق العملي بالمعمل المدرسي"، مضيفا "وجود المقاصف المدرسية في بعض المباني المستأجرة يكون بطريقة عشوائية تفتقر للسلامة ولا يوجد بها مكان متخصص لتقديم الوجبات يتناسب مع أعداد الطلاب ومعظم الطلاب يتناولون وجباتهم في الفناء الخارجي للمدرسة مع ازدحام الطلاب بسبب ضيق المكان".
غير مهيأة للدراسة
فيما قالت، المعلمة حمده الشمري "إن وضع مدارس البنات المستأجرة بالمنطقة يدعو إلى الخجل وبعيد كل البعد عن العملية التربوية فلا المبنى ولا الفصول مهيأة للدراسة"، مضيفة "حتى إن توصيل المعلومة في فصل مكتظ ومتكدس بالطالبات أمر أشبه بالمستحيل".
وذكرت المعلمة نورة الثقفي بأن المباني المستأجرة باتت تشكل مصدر قلق لدى العديد من المعلمات والطالبات وأولياء الأمور فهي في غالبيتها غير صحية وغير صالحة للعملية التعليمية وأصبحت تشكل مشكلة تربوية لا يمكن حلها إلا ببناء مبان مدرسية حديثة، وقالت "إن من المشاكل التي تواجه معلمات المدارس المستأجرة إصلاح بعض أعطال الصيانة الطارئة في حال تأخر وصول فريق عمل الإدارة والتي تتم بما يعرف بـ(القطة)، كما إننا نضطر لشراء بعض الوسائل التعليمية من حسابنا الخاص". وتابعت "نحن بحاجة ماسة لمواكبة تطور المناهج وإدخال التقنية الحديثة التي تدعمها وتأمين احتياجات المدارس التقنية مثل السبورات الذكية التي ينعدم وجودها في غالبية المدارس المستأجرة ويستحيل إيجادها بسبب أوضاع المباني المستأجرة".
فقدان الهدف التعليمي
وقالت الثقفي "من المشاكل التي تواجهنا في المدارس المستأجرة تكدس الطالبات في الفصول بسبب ضيق الغرف وخصوصا غرف التدبير والمختبر والحاسب وجميع المواد التي تحتاج إلى اختبار عملي فمساحة الغرف تحول دون إقامة بعض الأنشطة مما يترتب عليه عدم تحقيق الأهداف التعليمية وبالتالي الحد من قدرات الطالبات الإبداعية، كما إن الزحام وتدافع الطالبات وقت الدخول والخروج يشكلان خطرا بسبب ضيق الممرات".
توفر الأراضي
من جانبه كشف مدير إدارة التطوير العمراني بأمانة منطقة الحدود الشمالية المهندس طيب العنزي عن وجود ما يزيد على 200 قطعة أرض معتمدة لوزارة التربية والتعليم بشقيه (بنين - بنات) في الأحياء والمخططات الجديدة بمدينة عرعر.
إلى ذلك، كشف رئيس بلدية محافظة رفحاء المهندس صالح الصغير عن جود نحو 40 قطعة أرض مخصصة لوزارة التربية والتعليم بالمحافظة بالمخططات الجديدة لإقامة مدارس للبنين والبنات، وقال "إن أغلب الأراضي في الأحياء الجديدة الخاصة بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الحدود الشمالية لم تستثمر في بناء مدارس على الرغم من تسهيل إجراءات منح الصكوك ورخص البناء"، مشيرا إلى أنه تم اختيار المواقع المخصصة للمدارس بعناية تامة بحيث "تغطي جميع الأحياء السكنية ويسهل الوصول لها من الجهات الأمنية والطبية في حالة حدوث أي طارئ لا سمح الله".
شروط تعجيزية
وأوضح مدير إدارة المشتريات بتعليم الحدود الشمالية جمال الرفدي أن الإدارة أعلنت عن رغبتها في شراء 19 موقعا بمساحات تتفاوت ما بين 4 آلاف – 12 ألف متر مربع، بمختلف الأحياء منها 16 موقعا في عرعر وموقع في رفحاء وموقعان في طريف لمدارس البنين والبنات، وقال الرفدي "هذا الأمر جميل، لكن يستحيل أن يتم إيجاده في الأحياء القديمة كونها مباني سكنية ينعدم فيها وجود الأراضي الفضاء والتي إن وجدت فلن تتجاوز مساحة أراضيها 400م2".
لا يوجد رد
وحاولت "الوطن" الحصول على رد من المتحدث الرسمي بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الحدود الشمالية مرضي مهنا حول قضية المباني المستأجرة، بإرسال خطاب رسمي بناء على طلبه، إلا أنه لم يرد على الخطاب المرسل والاتصالات المتكررة ورسائل الجوال، منذ نحو أسبوع، الأمر الذي يخالف ما سبق وأن وجه به وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله بالرد على كافة الاستفسارات من وسائل الإعلام حول ما يختص بوزارة التربية والتعليم ومن خلال الإدارة العامة للإعلام التربوي في مدة لا تتجاوز 3 أيام.