انزاحت الأغطية، واستيقظت "الجنادرية" تتحسس جسدها، وتتأكد من عدم نقص أطرافها، لتتغذى عروقها بدمائها الأصيلة، وتروي للأجيال عن تكونها في صغرها وكبرها.. قديمها وحاضرها. وحافظت الأيام المشمسة على مدار أعوامها على طابعها الودي الصحراوي المتميز بالحفاوة والترحيب التلقائي، ومتشبثة طيلة تلك الأعوام بمواريثها وثقافتها.

وعلى الرغم من تسارع تقدم الحياة بثقافات جديدة وتقنيات حديثة، إلا أنها بفضل حسها الفطري والخيال المتصل بفضائها الفسيح حافظت على مواريثها وفنونها الشعبية. وعلى الرغم من مواجهة "الموسيقى التراثية" بأشكالها المختلفة الوصلات الغنائية الحديثة، والخوف من انضمامها لطي النسيان، إلا أنها حبها "سحر" انبثق من رحم حضارة البادية، مما جعل متذوقيها ومستمعيها في محل "غيرة" على أصالتهم، ليجدوا أنفسهم بين الفينة والأخرى جزءا لا يتجزأ من هذا الفضاء الراقي المزين بأشكال عريقة تربعت على عرش الحنين لسماع "الغناء الشعبي".

وأصبح الفن الشعبي هو التيار الصحي الذي تحتفظ جماهير "جنادرية 27" العريضة من خلاله بضميرها الفني، وحسها الجمالي، ليسري عزف "الربابة، والسمسمية"، كرائحة عطر فواحة جذبت أنوف الزبائن إلى محلات العطارة؛ تمثلت في جذب آذان جمهور وزوار الجنادرية، ليبحروا طرباً في خيال رسم صور طرب أجدادهم في الماضي بالفن الشعبي الأصيل.

وكثيرا ما ترمز الأشكال المختلفة في الفن الشعبي إلى أسطورة أو معتقدات، كما قد تشير الألوان المستعملة إلى معانٍ خاصة رمزية متصلة بالفطرة الإنسانية، منها استخدام البادية لجلد الذئاب لصناعة الربابة وذيول الخيول لأوتارها.