من نعم الله على الإنسان أنه يعيش ولا يعلم متى يداهمه القدر. ولو أن التفكر في القرآن يعطي الشخص مساحة من التأمل، ففي قوله تعالى "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم" حكمة عظيمة فكل شيء تهرب منه يفترض أنه يتبعك لتبعد المسافة بينك وبينه، ولكن ماذا لو أنك تفر من شيء وهو يقابلك فإنك تختصر المسافة بينك وبينه إنه "الموت" الذي تفر منه ولكنه ملاقيك.
عبدالرحمن المطرودي وكيل وزارة الشؤون الإسلامية الذي قابل الكريم, ورحل من دار الفناء لدار البقاء، عرفته جيدا من خلال الناس وما أجمل ان تعرف الإنسان بخصاله من الآخرين لأنهم شهداء الله في أرضه. صديقي د. ناصر الميمان قال عن المرحوم عبارات تفرح أن يقابل ربه وهو على هذه الخصال، فقد حصد من الحب ما كان شائعاً ومعروفاً بين الناس.
عندما قرأت خبر الوفاة المفاجئة للدكتور المطرودي في صحيفة الجزيرة كانت المفاجئة الأخرى أنه في نفس الصحيفة ينشر ردا بتوقيعه رحمه الله موجها إلى الدكتور محمد الشويعر أحد كتاب الجزيرة يعقب على الكاتب في مقال عن (دور الوقف في دعم الخدمات الصحية).
هل كان يخطر في بال المطردوي وهو يوقع خطاب الرد أنه سينشر في نفس الصحيفة التي بها خبر وفاته!!!
خبر الوفاة والرد في نفس الصحيفة يحتاج إلى وقفة تأمل وتفكير. المطرودي رحم الله رجلا فاضلا ويراعي الله في كل ما يكتبه ويوقعه وهذا ما عرفناه عنه، ولكن هل يتشابه معه بعض القياديين في هذه الصفة.
• إنها محطة تأمل لمن كانت أعمالهم الوظيفية سببا في رفاهية من حولهم وإسعادهم ومحو البؤس عنهم. ولكنها كذلك محطة تأمل للقياديين أصحاب الخصومات الفارهة الذين هدفهم فقط الإضرار وفرض سيطرتهم وسلطتهم على البشر.
• إنها محطة تأمل للإداري الذي عمي بصره وأخذته العزة بالاثم وظلم مرؤوسا له وتسبب في قطع رزقه بدون ذنب أو مبرر ونهبت قراراته الفرحة من بيوت كثيرة.
• إنها محطة تأمل لمسؤول وقع على قرار ويعلم أن هذا القرار لم يدرس جيدا ويتعلق بمصير الآخرين.
• إنها محطة تأمل لإداري كان همه الأول والأخير نفسه وسطوته، يمشي وهو يتوقع أنه يبلغ الجبال طولا أو يخرق الأرض.
• إنها محطة تأمل للإداري الذي فشل في الجمع بين الطيبة التي تخفي وراءها صلابة في العمل وحسن التدبير وصرامة القرار.
• إنها فعلا أمانة القلم!! كما قال لي الزميل الدكتور حاتم المرزوقي! يغيب جسد الإنسان ويبقى عمله حاضرا في مجتمعه، وأهله، ولكن أي نوع من العمل الذي أبقاه!!!
• حينما تكون سيرة الإنسان وحياته "عادلة" و"معتدلة" فإنه يرحل إلى ربه مطمئنا بأن عملا أحسنه لن يذهب هباء منثورا.