لأنه أدمن مشاهد القرصنة وتشبع بثقافة "رامبو" الخارق و"الكابوي" الذي يقتل بدم بارد، التي فرضتها علينا القنوات العربية المتخصصة في بث الأفلام الأمريكية ، لم يجد قارئ أحد التقارير التلفزيونية التي كانت تصف المجزرة الإسرائيلية ضد قافلة "الحرية "سوى القول " لا تعتقد عزيزي المشاهد أن ما تشاهده فيلم أمريكي ، فهو في حقيقية الأمر مقطع حقيقي صور قبل ساعات قليلة لقرصنة إسرائيلية في المياه الدولية " .
هذا الوصف يقودنا إلى التفكير بصوت عال في التناسل العجيب ـ المثير للدهشة والتساؤل ـ لقنوات الأفلام العربية التي أنشئت خصيصا لترجمة وبث، إنتاج "هوليود" من أفلام العنف والقتل والجنس فقط . وكأن سينما العالم توقفت على هذا النوع من الأفلام التي لا تلقى أي اهتمام من قبل نقاد ومتابعي السينما حتى في الولايات المتحدة نفسها ، فكان الحل البسيط تصديرها لنا بنكهة "رامبو" التي كرهها العالم أجمع بعد أن "عولمها " بوش ( الأب والابن) في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي.
قلت أكثر من مرة ، إنني لا أؤمن بنظرية المؤامرة، وأعتبرها مخدرا لأي محاسبة للنفس، لكن هل يعي رجال الأعمال العرب الذين يعتقدون أن الشخصية "البرجوازية" لا تكتمل دون إنشاء "شبكة" فضائية تصطاد ما لذ وطاب من الشباب والفتيات ، أنهم بتكريس هذه السينما (الكاوبوية/ الرامبوية) جعلونا نشرب الشاي مع "المكسرات" ونحن نشاهد عشرات المرات ، طائرات حربية إسرائيلية/أمريكية ـ حقيقية وليست في فيلم خيالي ـ تحصد مئات البشر في فلسطين والعراق ؟؟
العجيب أن أكثر المنادين بفتح دور للعروض السينمائية في السعودية من أصحاب هذه القنوات ، وهم ـ في اعتقادي ـ السبب الحقيقي في تشويهها في نظر عامة الناس ، فكل من يحاول إقناع المعارضين بأن السينما فن راق ومؤثر جدا تستخدمه جميع شعوب الأرض في الترويج لثقافتها وقيمها الإنسانية الجميلة، يواجه بمثل هذه النماذج من الأفلام التي ربت أطفالنا على أن قتل أحدهم للآخر أمر طبيعي جدا ، إضافة إلى مشاهد الانحلال الخلقي التي أصبحت وجبات يومية .
والتساؤل مرة أخرى: لماذا تهمش الأفلام ذات البعد الإنساني ، التي تنتجها دول كثيرة في العالم غير أمريكا؟ فالمتابع الحقيقي للسينما يعرف أن هناك أفلاما راقية و"نظيفة" جدا ، تمس هموما بشرية عميقة ، يمكن الحصول عليها بأرخص الأسعار، ومع ذلك تفرض علينا فرضاً سينما الأمريكي الخارق!
قد يقول قائل : إنها الأكثر جذبا للمشاهدين والإعلانات ! وأقول له: الأرقام تكذب هذا الطرح ، فكم شخصا في العالم شاهد الفيلم الهندي" الميليونيرالصغير"على سبيل المثال ؟