ليس هناك مدخل حيوي سياسي لفهم الفيتو الروسي الصيني المناهض لمشروع قرار مجلس الأمن الدولي الذي اقترحته الجامعة العربية، لتحقيق وقف لإطلاق النار في سورية، وللانتقال إلى نظام جديد، حين اعترض على القرار اثنان من الأعضاء الدائمين في المجلس هما الصين وروسيا، وهو ما اعتبره البعض ترخيصا مفتوحا للمضي قدماً في قتل المدنيين السوريين المعترضين على نظام الأسد واستمراره في قتل الناس دون عقاب.

بعيداً عن التعاطف المدني، ولكن وفقاً لقواعد "العلاقات الدولية" في المسألة السورية البعيدة عن التسطيح السياسي اللامشروع، فالقضية أكبر من كونها انقساما في الرأي في اختلافات دولية بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا من جهة في رؤيتهما أن مشروع القرار سوف يضع نهاية سريعة للوحشية التي يرتكبها نظام الأسد تجاه شعبه، أو حتى من جهة الروس والصينيين الذين هم أيضاً يحاولون تمرير التسطيح السياسي من أن مشروع القرار إذا ما تم سوف يستنسخ حربا أهلية طائفية جديدة بنسخة لبنانية في "بلاد الشام".

الممانعة الصينية تتلخص ردة فعلها على خوف الصين من ربيع صيني داخلي يعتريها، نظراً لتركيبتها الديموجرافية المعقدة، خاصة في جانب الأقلية المسلمة في منطقة تركستان الشرقية، كما حذرها بذلك مسؤول أميركي رفيع المستوى في تصريحات صحفية سابقة، بالإضافة إلى التكتل الصيني الروسي في صناعة الغاز الطبيعي الذي يحتل هو الآخر بعداً مهماً في صناعة الفيتو المشترك.

الممانعة الروسية

فيما الممانعة الروسية، تأويلاتها والأبحاث الإستراتيجية تعطي أنواعا مختلفة من الرؤى السياسية الدولية. صحيفة التليجراف البريطانية حللت في إحدى افتتاحياتها العميقة الأسبوع المنصرم، من زاوية مختلفة حملت عنوان "كيف نفسر الفيتو الروسي؟".

وترى الصحيفة البريطانية في الفيتو الروسي، على وجه الخصوص، أن اللعبة الروسية من الصعب قراءتها، فرئيس وزراء روسيا، بوتين، يرى أن التدخل الغربي في سورية يأتي في إطار ما يعتقد أنه تدخل غربي في السياسة الداخلية الروسية، وهي محاولات لإذكاء المعارضة الداخلية ضد فرصة ترشيحه للانتخابات المقبلة، لذلك ترى الصحيفة البريطانية أن إذعان بوتين لمطالب الغرب، سيؤثر على وضعه الداخلي كثيراً، ولاسيما مع تزايد المطالب والاحتجاجات ضد بوتين في موسكو، كما أنه لا يريد أن يخسر حلفاءه في الغرب وبعض أصدقائه من العرب، وهو الأمر الذي صعد حلولا وسطية. الحلول الوسطية التي ذكرتها التليجراف يمكن تفسيرها على أرض الواقع الميداني في الزيارة الأخيرة لدمشق التي قام بها وزير الخارجية الروسي لافروف في فبراير الجاري و ميخائيل فرادكوف مدير المخابرات الخارجية لمرافقته في لقائه مع الرئيس السوري كانت استكشافية في المقام الأول، وهو إلى أين يمضي الأسد في خياراته السياسية القادمة للتنحي أو للمضي قدماً في المسلك الأمني. أهداف الزيارة لم تكن في الحسابات السياسية الراهنة سوى سعي موسكو الحثيث وتحديداً بوتين للتخفيف من حدة الضغوط عليه من جميع الاتجاهات.

علاقات مشتركة

عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري المعارض أحمد رمضان تحدث إلى "الوطن" من العاصمة التركية أنقرة حول ممانعة موسكو والصين من استصدار قرار مشروع دولي يدين نظام الأسد، حيث قال "طمأنا الروس في زيارتنا السابقة لموسكو بأننا لن نكون أعداء لهم، وسنقيم علاقات مشتركة إستراتيجية تخدم البلدين، وأعطيناهم ضمانات حقيقية لذلك، إلا أنهم للأسف الشديد مضوا في إعطاء النظام الأسدي – وفقاً لوصفه- ترخيصا مفتوحا لقتل السوريين، ليضيف بعدها في سياق حديثه التحليلي "الروس يجرون صفقاتهم على حساب دماء السوريين الأبرياء، وهذا لن ينساه الشعب السوري".

التخوفات الروسية

تقارير دولية سياسية تتبعتها "الوطن"، كانت تتحدث خلال الأيام الماضية عن الوقوف الصلب للسياسة الخارجية الروسية ضد إصدار مشروع أممي يدين الأسد بالعنف، كان أبرزها تخوفات رجال الساسة في الكرملين التي يمكن وضعها في الإطار الاقتصادي بامتياز.

فالكرملين الروسي يواجه حالياً معوقات شديدة من قبل المجلس الوطني الانتقالي الليبي تجاه تنفيذ العقود الموقعة من النظام الليبي السابق.. كخطيئة سياسية في تأخر الاعتراف بالمجلس.

قلق آخر يمكن أن يضاف إلى السلسلة، وهو التخوف من تحول المجلس الوطني السوري صوب الغرب وأميركا تحديداً مما يشكل تحدياً إستراتيجياً كبيراً لروسيا في آخر موطئ قدم لها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما سيفقدها امتيازاتها في بلاد الشام.

وعلى غرار ما حصل في ليبيا يخشى الساسة الروس من المعارضة السورية في نسف عقد القاعدة العسكرية الروسية الموجودة في مدينة طرطوس (100 كلم عن مدينة اللاذقية الساحلية)، حيث تتصف هذه القاعدة بأهمية بالغة بالنسبة لروسيا باعتبارها القاعدة الوحيدة للأسطول الروسي في الخارج، مقابل مبلغ مالي بسيط كرسم استئجار.

التخوف الروسي من إلغاء هذه القاعدة يمكن أن يزعزع مواقع القوة الروسية، وهناك احتمال يراه الباحث السياسي العربي المقيم في موسكو سلمان الهذلي في حديثه إلى "الوطن"، في تحليله لتوجه القيادة السياسية الروسية لإدارة الملف السوري قائلاً: التخوف الذي تتحدث عنه معاهد التحليل العسكري والسياسي والصحفة عموماً من وجود خطر يهدد القاعدة الروسية في طرطوس إذا ما وصل الإسلاميون إلى الحكم في دمشق، بخلاف إذا ما وصلت سلطة علمانية لإدارة دفة القيادة فليس هناك من خوف.

ويرى الهذلي الذي يقدم دراسات جيو سياسية عن السياسة الخارجية لموسكو في مناطق النزاع الشرق الأوسطي أن "المعارضة السورية التي يشكلها قاعدتها الإسلاميون لم تقدم ضمانات حقيقية لموسكو كصفقة تبادل في تمرير مشروع القرار الأممي الذي يدين الأسد".

احتكار الغاز

وممانعة الروس لا يمكن تبريرها بمسألة أن القرار الأممي لإدانة نظام دمشق يصب في خانة تسريع وتيرة الحرب الأهلية الطائفية في سورية، بل لمصالح أخرى تتبارى عليها الدول الكبرى "الولايات المتحدة الأميركية وروسيا" في مجال الطاقة والنفط، وعلى وجه الخصوص الغاز الطبيعي (لغة الطاقة في القرن الواحد والعشرين). والتي بدأت منذ عام 1995 في صياغة رؤيتها الإستراتيجية المبنية على احتكار الغاز الطبيعي في مناطق إنتاجها ونفوذها وتسويقها، حيث عملت إلى ما يشبه حد الاحتكار والذي لا يقبل حد المنافسة عبر شركة "غاز بروم".

أين موقع سورية من ملف الغاز؟ من خلال الخارطة نجدها تتموضع في المناطق التالية من حيث الكم والقدرة على الوصول إلى مناطق الاستهلاك: روسيا انطلاقاً من فيبرج وبيري جوفيا، الملحق الروسي: تركمانستان، المحيط الروسي القريب والأبعد: أذربيجان وإيران، جورجيا، سورية، لبنان، قطر ومصر.

وتهدف روسيا من خلال احتكار الغاز إلى عودتها إلى المسرح العالمي لأجل استعادة دورها كدولة أولى أو ثانية في الترتيب الدولي ومن أجل إحكام السيطرة على الاقتصاد الأوروبي الذي سيعتمد لعقود على الغاز بديلاً من النفط أو بالتوازي معه ولكن بأولوية أكبر لمصلحة الأول. كما أن موسكو سارعت للعمل على خطين إستراتيجيين، الأول التأسيس لقرن روسي -صيني (شنغهاييّ) يقوم على أساس النمو الاقتصادي لكتلة شنغهاي من ناحية، والسيطرة على منابع الغاز من ناحية أخرى. وبناء عليه، فقد أسست لمشروعين، أولهما، مشروع السيل الجنوبي، وثانيهما مشروع السيل الشمالي، وذلك في مواجهة مشروع أميركي لاقتناص غاز البحر الأسود وغاز أذربيجان، وهو مشروع نابوكو.

دعم رديف

كما أن هناك سباقا لبحث أماكن دعم رديفة تمثلت أولاً في الغاز الإيراني الذي تصرّ الولايات المتحدة على أن يكون رديفاً لغاز نابوكو ليمر في خط مواز لغاز جورجيا (وإن أمكن أذربيجان) إلى نقطة التجمع في ارضروم في تركيا. والثاني غاز منطقة شرق المتوسط (إسرائيل ولبنان وسورية)، وبالقرار الذي اتخذته إيران ووقعت اتفاقياته لنقل الغاز عبر العراق إلى سورية في يوليو 2011، تصبح سورية بؤرة منطقة التجميع والإنتاج بالتضافر مع الاحتياطي اللبناني، وهو فضاء جيوستراتيجية - طاقي يُفتح لأول مرة جغرافياً من إيران إلى العراق إلى سورية فلبنان، وهو ما كان من الممنوعات وغير المسموح به لسنين طويلة خلت. هذا بالإضافة إلى إعلان وزارة النفط السورية في 16 أغسطس الماضي عن اكتشاف بئر غازية في منطقة قارة وسط سورية وقرب حمص بما يحقق إنتاجية بقدرة 400 ألف متر مكعب يومياً، أي ما يعادل 146 مليون متر مكعب سنوياً، وهو ما جعل لعاب الروس يسيل من أجل تمديد هذا النفوذ الغازي على حساب دماء السوريين. حيث يشكل التعاون الروسي - الصيني في مجال الطاقة القوة الموجهة للشراكة الاستراتيجية الصينية - الروسية، وهو ما يراه الخبراء يقف وراء الفيتو المشترك لمصلحة سورية في مجلس الأمن. وتختم الدراسة بقولها :" الأمر يتعدى إمداد الغاز بأفضليات للصين إلى المشاركة في توزيعه عبر (بيع الأصول والمنشآت الجديدة) ومحاولات السيطرة المشتركة على الإدارات التنفيذية لشبكات توزيع الغاز.