حينما كانت معركة التبرع بالأعضاء ساخنة مشتعلة بين عدد من العلماء قبل أكثر من عشر سنوات, استغل أحد المهتمين بالعلم الشرعي زيارةً لمجموعة من الطلاب والمعلمين إلى مقر هيئة كبار العلماء بالرياض, وكان لنا الجلوس مع العلماء كل في تخصصه. وحين دخلنا على الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان – رحمه الله – بدأ كل منا يسأله, وحين سأله أحدهم عن حكم التبرع بالأعضاء قال الشيخ له "هل ستتبرع"؟.. فأجاب بلا, ثم أردف له "أخوك, والدك, أمك.. هل سيتبرعون؟.." وحين جاءت الإجابة بالنفي قال بن غديان رحمه الله "إذاً لا تسأل إلا عما يفيدك, لماذا السؤال عن هذه القضية؟..". وفي نفس ذلك اليوم شوهد الشيخ بكل تواضع يحمل بعض أغراض له في مسجد دار الإفتاء. السؤال: أين كان بن غديان من كل هذا التزاحم الفضائي والسمعي؟.
لماذا غاب وآثر الدروس العلمية والصمت, وبعض البرامج الإذاعية فقط؟. من لا يعرف وجه الشيخ, فسيجد من الصعوبة العثور على صورة له أو مقطع مرئي, عدا بعض المقاطع التي تم تسجيلها خلسة من بعض محبيه. من منهج الشيخ عدم الإفتاء والإجابة على أي سؤال, بل على ما يخص السائل مباشرةً. لم نجده حاضراً في المعارك الفكرية لسبب واحد, أنه غير قابل لـ"الاستنطاق" من قبل المتنفعين من السؤال. وفي المقابل, الأزمة مع الذين لم يصلوا إلى علم الشيخ وحكمته, ولم يخط الشيب لحاهم حتى, ويتنافسون على جدولة البرامج الإفتائية ليل نهار, حتى إن بعضهم مستعد للسفر من قطر إلى الكويت إلى لبنان إلى القاهرة للظهور على الهواء مباشرة – شرط أن تكون التذكرة درجة أولى – دون تفكير بعواقب ترجل الفتوى تلفزيونياً أو إذاعياً.
بن غديان – رحمه الله – كانت له آراء, قد تكون مناسبة لمناقشتها الآن في برامج مخصصة عنه وعنها, ومنها فتاواه في دعاء القنوت وعدم الاستجابة للنداء في مناطق الصراع وأن طاعة ولي الأمر هي الأوجب وأن كل خروج عنها للجهاد دون إذن معصية. هو رأي مثل آراء كثيرة, لا تعجب الكثيرين, ولكنها ستضيع مع ركام برامج الأسئلة المستعجلة.