أعرف أنني أكتب لجمهور عربي، وأعرف أن هذا الجمهور يتفق معي في وصف المذبحة الصهيونية بالإرهاب والبلطجة، وأعرف أن مقالي هذا الصباح سيتكرر بذات الكلمات وإن اختلفت مواقع الجمل في ألف مطبوعة عربية. دعونا نعترف: نحن أمة تقيم حفلات الشتائم من ستة عقود، وأوكازيون الشتيمة من ستة قرون خلت نحن لا نخجل أن تكون سفينة الحرية تركية باسم (مرمرة)، ونحن لا نستحي أن أول من قاد أساطيل النصرة وفك الحصون والحصار يساري بريطاني اسمه، جورج غالاواي. نحن مثلما قال لي صديق باسم بالأمس: أمة صار يزعجها أن تنام دون أن تسمع صوت – التكييف – لا لأن المكيف تغلغل في العظام فحسب، بل لأن صوته يحجب أي إزعاج آخر عن الأذن.
حين تبور البضاعة فتش عن خلل التسويق. نحن 400 مليون حبل صوتي فشلت أن تبيع قضيتها في سوق جذب الرأي العام، لا لأنها لا تحمل قضية ولكن لأن الخصم 5 ملايين يهودي، لا يتحكمون فينا فحسب، بل يتحكمون في آذان كل الشعوب، لأنهم عرفوا أوزان الصوت حين تدخل للأذن الداخلية وجرس – الفون – الإشاري حين يدغدغ آذان العالم الوسطى. نحن بالحسبة، كل 80 مليون عربي في مقابل مليون يهودي، وكل يهودي بالحسبة بات أطلق وأشجع من 80 عربيا، أو ثمانين حنجرة صوتية، ولأنني عربي فآمل ألا أكون أيضا قد أخطأت في الضرب والقسمة. نحن أمة مخدرة على نصف بيت من الشعر منذ أن نطق الشاعر بـ(وامعتصماه) التي ربما انطلقت، أو لم تنطلق فلا أحد بيننا يعرف الحقيقة بالضبط، ولكننا نتداول منذ يومها قصص – العجائز – في أسواق الروم، وكل يوم لدينا هو – عمورية – جديدة.
الفارق أنهم يومها يتداولون قرائح الشعر في الأسواق، بينما نحن نتداول قدائح الشتم والشجب على القنوات الفضائية. نحن أمة مخدرة على القريض وسبائك اللغة وأجرؤنا قولا وأكثرنا شجاعة هو من سيقول على قناة من قنواتنا الخالدة (هؤلاء هم أحفاد.... و.....) ولكن ماذا فعل أبناء الأرومة وأحفاد الأشاوس وأنجال الأسود والنمور وبقية الحيوانات الجسورة.
دعوني أختم بفكرة: طالما أن لدينا قاموسا هائلا من الشتم يمتد لستة قرون فلماذا لا نجعل هذا العام، عاما مكثفا، مركزا، لا نترك شتيمة في القاموس المجيد دون أن نقولها في عام واحد. ومن يدري فقد تحرر شتائمنا كل الأرض المحتلة إذا ما ضغطنا الشتائم كلها في عام واحد.