يظل الإبداع مرهوناً بما يستحدث من جديد ليس له مثال أو مشابه في كافة المعارف والعلوم والآداب والفنون المختلفة، وهذا هو المتعارف عليه

عند ذوي الاطلاع المتعمق الدائم الذين يملكون ذهنية وبصيرة ذكية ومتقدة، وهذا هو المفهوم الحقيقي للإبداع، وليس مع الأسف العميق ما نلاحظه من تفسير خاطئ مفاده أن الإبداع يقوم على قوة الحفظ واسترجاع المعلومات والحقائق من ذاكرة قوية وهذا هو الشائع في واقعنا الثقافي، وخاصة على المستوى الذي يدور في حلقة الأدب الذي يمزج بين الدين والنصيحة، والذي انبرى له الكثير ممن راح يورد القصص والعبر والأخبار السابقة ناقلا ما قام به آخرون في سالف الزمن، بشكل يدل أحياناً على أن هذا النقل قصد منه فقط حب الظهور على حساب إبداعات الآخرين أولاً، وثانياً ضعف ثقافة المتلقي الذي يكون مستواه التثقيفي دون الوجه المطلوب حيث يقع في تأثير عاطفي لا يفرق بين الغث والسمين تراه بحماس منقطع النظير يوغل في كلام الثناء والمديح على نحو غريب. نحن عندما تصافح أبصارنا بعض الكتب التي أبدع أصحابها في التأليف القائم على علم لم يكن مقتبسا أو منقولا بل هو عصارة أفكار جديدة متولدة من عقلية فذة لاحقت الإبداع وكونت شخصية مستقلة يشار إليها بالبنان سطرت أسماءها في التاريخ؛ فإننا نقف مبهورين على قوة ورصانة تلك الكتب التي تشع معرفة وعلما حقيقيا والتي مازالت آثارها باقية إلى عصرنا الحاضر.

والأسماء كثيرة منضوية تحت علوم مختلفة وإذا قصرنا الأمر على الأدب العربي وخاصة في مجال الشعر فسوف تبرز أسماء لامعة في الشعر من العصر الجاهلي والعباسي والأموي وعلى سبيل الذكر لا الحصر هناك أبوالعلاء المعري وبشار بن برد اللذان كانا كفيفين ومع هذا كتبا أروع الشعر المميز الذي جاء ببلاغة ورصانة عالية في اللغة العربية، وقل كذلك في نثر الجاحظ وأبي حيان التوحيدي فأين نحن من هذا الإبداع؟

وهل هناك ما يوازي ذلك في حاضرنا هذا على الصعيد العربي أو العالمي الذي يزخر بالعديد من المبدعين؟ سوف أشير هنا إلى الكاتب الروسي ليون تولستوي الذي أبدع في رواية الحرب والسلم والتي أعاد كتابتها سبع مرات.. تخيلوا سبع مرات! وهي رواية معروفة ومشهورة، أين هذا من واقعنا الحالي الذي نجد فيه تهافتا على التقليد والنقل وإعادة تجميع تعطي لبعض القائمين بهذا العمل صفة مؤلف بارع ومتمكن من خلال طرحه لبعض أعماله، والأجدى أن يكتب على غلاف هذه الأعمال عبارة قام بإعداد هذا العمل أو تجميعه أو ترتيبه أو تنقيحه، ولا أدري كيف يتم التبرير لهذا النقل وأن إشكالات العصر الحاضر موجودة منذ زمن وليست محصورة في عصرنا، وهذا النهج يشمل علماء ذوي سمعة حسنة ومشهورة ولا تقوم مؤلفاتهم على الفكر واجتهاده فقط بل على ما سطره من كان قبلهم في هذا المجال.


عبدالله سليمان الطليان ـ الخرج