إن الذين عاشوا في كنف جو أسري صحي ومتماسك يعلمون أنه لا يوجد في هذه الحياة شخص كامل بدون أغلاط، فلا يمكن أن نتوقع أن يرتقي، جميع من حولنا خاصة المقربون إلينا، إلى مستوى توقعاتنا، لسبب بسيط، لأنها توقعاتنا، أي نابعة منا وليست منهم. وعليه نجد أن الغالبية لا يصلون إلى ما رسمنا أو خططنا له، كمستقبل أو كعلاقة، ولكننا وبالرغم من ذلك نصاب بخيبة الأمل. ففي أكثر من مرحلة من حياتنا نتعثر بسبب إحباط أو خيبة أمل ممن نحب أو نحترم، ولماذا؟ لأننا نفترض المحبة والمساندة والوفاء والنجاح الدائم لمن نحب وممن نحب من الأهل أو الأصدقاء، وإن حدث عكس ذلك، قد يقع البعض منا فريسة للاكتئاب أو يتسبب بالدمار له ولغيره.. كيف؟
لأنه إذا لم تتم مواجهة ما تجره علينا خيبات الأمل من مشاعر وسلوكيات سلبية، وضارة في كثير من الأحيان، سنغرق، فهي كالبحر من الرمال المتحركة تجرنا نحو الأعماق لتبتلعنا ولا تبقي من طاقاتنا سوى القليل للاستمرار. بمعنى أنها تجمد حياتنا، وتجعلنا ندور في حلقات مفرغة مركزين على ما كان يجب أن يكون وما يجب أن يكون، وبذلك يشتت تفكيرنا ولا نرى ما هو كائن، المفتاح والطريق الذي إن حللناه اتضحت الرؤيا أو على الأقل بعض منها، ومن ثم نبدأ في البحث عن الحلول المناسبة لمصلحة الطرفين، كيف؟
تسحب نفسك من الصورة لدراستها من الخارج، لأنك بذلك تجمد المشاعر المصاحبة كي يتسنى لك التعرف على أسباب خيبة الأمل الحقيقية، ثم تعيد النظر في مستوى التوقعات، وتجيب على التالي: من المسؤول عن رسم الحدود وطبيعة هذه التوقعات، بمعنى هل كانت خيبة الأمل بسبب قلة اهتمام أو محاولة من الطرف الأخر أو لأسباب أخرى خارجة عن قدراته أو إرادته، هل كانت التوقعات فوق مستوى إمكاناته أو قدراته الجسدية والفكرية أو الاجتماعية، هل كانت بسبب طبع شاذ أو غريب فيه لم تكن تراه أو كنت ترفض أن تراه من قبل، هل قمت أنت بكل ما يجب من مسؤوليات في المعادلة، هل أوضحت رغباتك وتناقشت بجو يسوده الود والتفاهم لا الوعيد والتهديد، أم تجاهلت الأمر برمته معتبرا إياه من البدهيات ومتوقعا أن تُقرأ أفكارك؟ لا أستطيع الإجابة عنك، فالأمر بيدك، أنت من ستحلل وأنت من ستصل إن أردت ألا تقع فريسة مشاعر الإحباط والغضب وأحيانا الانتقام إن لم يكن من نفسك فقد يكون من الآخر، أو تلعب دور الضحية وتنطوي على ألمك متوقعا أن يتفاعل معك الجميع من هذا المنطلق.
ما أريد قوله إنه لا يوجد ضحية هنا، إن أنت أدركت ذلك ارتحت وأرحت، ما يوجد هو النية وفوق ذلك كله الإرادة في البحث من أجل التوصل للصورة الواضحة، فمتى اتضحت الرؤيا تمكنت من المسيرة، ومن منا يريد أن يجمد حياته على الألم؟! أنا لا أنفي تواجده ولكنه نعمة من الرحمن تنبهك بأن هنالك علة ما يجب أن تعالج، قد يستغرق الأمر وقتا ولكن باعترافك تبدأ مسيرة ما تبقى من حياتك.. مؤكدا لنفسك ومعلنا للجميع رفضك بأن تكون أنت الضحية.