إيران تعاني من مشاكل مع روسيا بعد أن كانت من أبرز البلدان التي تتباهى بها إيران كصديقة استراتيجية.
الشعب الإيراني لا يثق بروسيا لأسباب تاريخية. كانت روسيا بعد انحلال الاتحاد السوفيتي السابق بحاجة إلى دولارات إيران لتنشيط اقتصادها المتدهور، وأبرمت مع إيران اتفاقية بناء محطة بوشهر النووية التي كلفت إيران مليارات الدولارات، كما أبرمت صفقة لبيع طائرات توبولوف المدنية المستعملة، حيث حصلت روسيا على أموال هائلة من وراء إبرام العقدين. وتحولت محطة بوشهرالنووية إلى ذريعة لزيارات الروس لإيران وإظهار العضلات أمام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.
بعد الانتخابات المثيرة للجدل في إيران الصيف الماضي، أطلق الشعب الغاضب من أداء الحكومة خلال المظاهرات الاحتجاجية شعار "الموت لروسيا" بدلا من الشعارات المعهودة سابقا مثل "الموت لأمريكا" و"الموت لبريطاينا".
وأذهلت هذه الشعارات الحكام الروس في الكرملين، وبالأحرى أيقظت الشيخ المستعمر والمحنك في السياسة من سباته ليدرك أن الشعب يختلف مع الحكومة وأنه يعتريه الغضب بسب العلاقات الروسية مع الحكومة الحالية.
وكانت أول زيارة لأحمدي نجاد في ولايته الثانية لروسيا في وقت كانت فيه القوات الخاصة لحرس مرشد الجمهورية والقوات الأمنية تنهال بالضرب على المحتجين في شوارع وأزقة طهران. ومن هنا أوجدت روسيا لنفسها عدوا من بين أبناء الشعب الإيراني.
وترى المعارضة أن روسيا تقف خلف عمليات التزوير في الانتخابات كما أنها قامت بتدريب قوات مكافحة الشغب الإيرانية.
رغم الأحقاد السابقة وعدم الثقة السائدة بين إيران وأمريكا خلال الـ31 عاما الماضية، فإن الشعب الإيراني ولربما حكام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لايملكون ذرائع كافية للحقد على الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد انتصار الثورة قام أنصار الخميني باحتلال السفارة الأمريكية واعتقلوا 52 شخصا من موظفيها لمدة 444 يوما.
من شأن العلاقة مع أمريكا إيجاد تغييرات جذرية في إيران وإثارة الحماس فيها، لكن مع ارتفاع شدة الضغوطات على إيران فإن طهران طلبت من روسيا والصين مساعدتها في إفشال مشروع المصادقة على عقوبات جديدة على إيران.
مع تدني نسبة صادرات النفط الإيراني في الأسواق العالمية وتقليص واردات الصين النفطية من إيران بنسبة 50?، وموافقة الصين وروسيا على الانضمام إلى باقي أعضاء مجلس الأمن الدولي، فإن خطر إصدار عقوبات جديدة قد أثار الهلع في إيران.
وكان قبول الوساطة التركية البرازيلية ضمن الأداء الدفاعي لإيران لتأجيل إصدارالعقوبات على أقل تقدير. لكن روسيا التي اقترحت قبل هذا على إيران في أكتوبر الماضي نقل اليورانيوم إلى أراضيها، لإرساله من هناك إلى فرنسا لتحويله إلى أنابيب للوقود النووي، لايمكنها قبول دور تركي وبرازيلي لتسوية أكبر القضايا جدلا في العالم. فهم يتذكرون جيدا شعار "الموت لروسيا" وقد حصلوا على التنازلات التي كانوا يطلبونها من أمريكا ولم يعودوا يهتمون بأن يسميهم أحمدي نجاد "البلد الصديق والجار والشقيق".
أحمدي نجاد الذي أزعجه الموقف الروسي قال أمام حشد من أهالي كرمان "الشعب لايعرف هل روسيا معنا أم ضدنا؟"
لاشك أن الشعب يعرف أن روسيا ليست معه، ويبدو أن أحمدي نجاد كان الشخص الأخير الذي أدرك أن منظومة "إس 300" الصاروخية التي دفعت إيران تكاليفها لروسيا قبل عامين لم تنقل إلى إيران، كما أن محطة بوشهر التي حددوا مواعيد مختلفة لتدشينها لن تبدأ العمل في أغسطس المقبل. كان من الأجدر بحكومة أحمدي نجاد، وبدلا من اللجوء إلى بلدان لا يثق الشعب الإيراني بها، أن تتوجه إلى الدول الجارة المسلمة لأن قضايا السلام والحرب في إيران لها معان خاصة بالنسبة لها وتربطها علاقات تاريخية ودينية مع الشعب الإيراني. والدول المجاورة والمسلمة لايمكن أن تتحول كرؤساء الصين وروسيا وتغض الطرف عما يحل بالشعب الإيراني مقابل صفقات النفط والغاز ونهب دولارات إيران. غض الطرف الإماراتي وكرمهم وسخاؤهم الذي يأخذ بعين الاعتبار العلاقات بين الشعبين والصداقة أدى إلى تعديل المقاطعات الدولية إلى حد ما، ولكن لا نعرف بعد المصادقة على العقوبات الرابعة هل تستمر حكومة دبي بسخائها وغض الطرف في التعامل مع إيران أم لا؟. فكما قال سيرجي بريخودكو، مستشار السياسة الخارجية لمدفيدف، في رده على تصريحات أحمدي نجاد: "لاشك أن روسيا تتبع مصالحها على الأمد البعيد" فإن هذا البلد ينوي الحفاظ على مصالحه. والمصالح بعيدة الأمد التي تتحدث عنها روسيا تتمثل بالتقرب إلى الدول الغربية".
الصين وروسيا قد حصلتا على مصالحهما في إيران، ولكن يخرج السيد أحمدي نجاد ويصرح: "على روسيا ألا تضع نفسها بين أعداء إيران".. تصريح وصفه بريخودكو بـ"الديماغوجية السياسية".