قبل الدخول في هذا الموضوع سأُجيب عن التساؤل الذي اختتمت به مقالة الأسبوع الماضي حول طبيعة الاتفاقية التي أعلنت مدينة المعرفة الاقتصادية عن توقيعها مع شركة "ديب كلاود" السعودية لإنشاء مركز لحفظ المعلومات والخدمات التكنولوجية المتقدمة بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 400 مليون. فقد تلقيت اتصالاً كريماً من الدكتور سامي باروم يوضح فيه أن مدينة المعرفة نجحت في إقناع شركة "ديب كلاود" لإنشاء مركزها المتطور ضمن الأرض العائدة للمدينة للاستفادة منه في مجال البنية الأساسية المعرفية للمدينة، وأن الشركة هي التي ستتحمل المبلغ المشار إليه في حين أن دور مدينة المعرفة يقتصر على بيع الأرض للشركة وتوفير البنية التحتية اللازمة. وأبدى الدكتور تفاؤلاً كبيراً في مستقبل مدينة المعرفة التي تمثل مشروعاً خدمياً طموحاً واعداً في ضوء ما تختص به من ميزة تنافسية فريدة.

وعبارة (ميزة تنافسية) التي أشار إليها الدكتور سامي أثارت لدي تساؤلاً آخر قد يكون أكثر تعقيداً من ذلك الذي بدأت به هذا المقال، فميزات المملكة التنافسية تكاد تقتصر على قطاعين هما: المشاريع المرتبطة بخدمة المدينتين الشريفتين، مكة والمدينة، وقطاع النفط.

وبتأمل سوق الأوراق المالية السعودي نجد أنه يشتمل على مئة وأربعين شركة، منها ثلاث شركات ترتبط بخدمة الحجاج والمعتمرين أُدرجت في السوق عبر طرح ثلث أسهمها للاكتتاب العام بالقيمة الاسمية، وسينضم إليها قريباً شركة رابعة هي مدينة المعرفة الاقتصادية، التي تقع على مسافة خمسة كيلومترات من الحرم النبوي. أما قطاع النفط، الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، فإن سوق الأوراق المالية محرومة منه لأسباب تستعصي على الفهم، فشركة أرامكو السعودية تُهيمن على قطاع النفط بكافة أنشطته وتلجأ إلى البنوك لتوفير التمويل الذي تحتاج إليه بكثافة، وتستعين بمقاولين من الباطن لإنجاز أكثر أعمالها.




وفي حين يتصارع المكتتبون السعوديون على التقاط الأسهم القليلة التي تلقيها شركات التأمين البائسة، لم يتسلل من قطاع النفط إلى السوق المالية أي شركة ما عدا مصفاة بترورابغ، ومعلوم أن قطاع التكرير هو أقل قطاعات النفط جاذبية للاستثمار. وعلى سبيل المقارنة فإن القطاع المالي (البنوك والتأمين) يهيمن على أكثر من ربع الشركات المُدرجة ومع ذلك فإن هيئة السوق المالية تشترط على كل شركة وساطة تحصل على الترخيص من الهيئة الموافقة على طرح جزء من أسهمها للاكتتاب عندما تطلب الهيئة ذلك منها. لو أن أرامكو السعودية طبقت هذا المنهج على مقاوليها لكانت سوق الأوراق المالية أكثر توازناً في ميزان ميزات المملكة التفضيلية.