على خلفية عدد من المواضيع التي تناولنا من خلالها انتشار العمل التطوعي في المملكة عبر بعض المواقع الإلكترونية، تلقيت عدة رسائل واتصالات من أفراد يتساءلون عن آلية العمل التطوعي. الأعمال التطوعية التي تحدثت عنها تناولت تحديداً مجموعات من الشبان والشابات شدوا الهمة والعزم وتواصلوا فيما بينهم عبر موقع فيس بوك لمساعدة المنكوبين في أعقاب كارثة جدة في العام الماضي. وفي موضوع آخر تحدثنا عن ضرورة تنظيم العمل التطوعي رسمياً.

اخترت لكم أيها الأعزاء رسالة وصلتني من سيدة فاضلة ومتعلمة (أحتفظ باسمها) وقد تناولت فيها حجم المعاناة التي واجهتها وزميلاتها في طريقهن إلى التبرع بالجهد والوقت مجاناً للإسهام في المساعدة وطلب الخير عبر عدد من الهيئات أو المؤسسات في منطقة الرياض. نساء أردن التطوع في أوقات معينة ومحددة لكن الجميع ممن يفترض أن يرحب ويؤازر استغرب طلبهن وعدن إلى منازلهن خاليات الوفاض. أتمنى ألا تطال البطالة المتطوعات. هذه مقتطفات من الرسالة:

"ننقل لك تجربتنا المريرة مع التطوّع والتي صدمنا بها وأشعرتنا بالإحباط وسنطرحها لكم على شكل عناصر. نحن مجموعة نسوة رغبنا المشاركة في المؤسسات والجهات الحكومية والخيرية التي تساهم في تبنّي حالات إنسانية بحاجة إلى العون والمساعدة كالأيتام والفقراء والمعاقات. تقوم الفكرة على تخصيصنا يومين في الأسبوع فقط نتطوّع فيهما بدوام كامل وعمل محدد وواضح. نحن نعتقد كمجموعة بأننا سنشكّل فريق عمل متجانس وناجح بإذن الله وسنخدم الجهة التي نتطوع بها. من جهة أخرى تجاوزنا مسألة الدعم الأسري وأزواجنا وأهلنا أيدونا بشكل كبير ودعمونا معنويا.




بدأت خطة العمل بتأسيس قائمة بالجهات المرشّحة من قبلنا وقد حرصنا أن تكون جهات حكومية، عملها واضح وأماكنها معروفة. على هذا الأساس وضعنا هذه الجهات كخيارات أولية وهذه القائمة تضم: جمعية الأطفال المعوقين، مستشفى التخصصي للسرطان، سجن النساء في الملز و دار الأيتام. الذي اكتشفناه من الزيارة الأولى أن هذه الجهات يجمعها عامل مشترك واحد ومهم. هذا العامل هو عدم وجود نظام تطوع وبالتالي لا يوجد استعداد لاستقبال المتطوعات. اتضح لنا أيضاً أنهم يعتبرون التطوّع عبئا زائدا عليهم، ولا توجد قناعة لديهم بمفهوم التطوع في الأصل.

نستكمل مع سعادتك مشاهداتنا وتسجيل تجربتنا إذ شعرنا بالإحراج لأن بعض المسؤولات نظرن إلينا نظرة ريبة وشك! كن مستغربات وجود مفهوم تطوع بدون مردود مالي! إحداهن تساءلت أمامنا "طيب ليش تتطوعون"؟! مركز التخصصي على سبيل المثال رفض استقبالنا أصلاً. نتصل على الجهات التي وجهونا نحوها وحتى ننجح في إيصال الفكرة نحتاج إلى وقت للشرح ومن موظفة إلى موظفة. كل واحدة تحتاج إلى شرح وتطمينات ووعود ثم تطالبنا بخطاب رسمي وخطاب من جهة إما حكومية أو تعليمية أو إدارية حتى تضمنّا.

وبعد عدة أسابيع من الترتيبات والإحراجات ترفض الجهة الفكرة وعندما تواجهنا المسؤولة فهي تحقق معنا وكأننا متلبسات وتم القبض علينا للتو. هذا يؤكد غياب المفهوم بأكمله ويؤصل مطالباتنا بخلق الفكرة في المجتمع وتأييدها وتنظيمها. عندما تفقد الجهات التي تعني بالخدمات الإنسانية فريق عمل تطوعي فإنها في الواقع فقدت جزءا مهما من التطوير والمشاركة الاجتماعية.

سعادة الأستاذ: نستطيع أن نتطوّع كما نشاء وكيفما نشاء، ونعمل أعمال بر وخير ومساعدات بشكل فردي، لكننا نؤمن بالترتيب والنظام أولاً. لاشك أن التجارب التي قامت في جدة وفي بعض المناطق جيدة وبوادر إيجابية لكنها حتماً تحتاج إلى التنظيم والتطوير. فإن كانت الجهات الرسمية المعنية لا يوجد لديها نظام فإن الوقت الذي ننوي إعطاءه للغير سنفقده في الشارع أو في التجول في الأسواق. كثير من الفتيات والنساء والأسر يرغبن في التطوّع والعمل الخيري والمساهمة في المساعدات الطبية والتوجيهية.. لكن لا يوجد قوالب صحيحة ومأمونة وسليمة يتحركن داخلها. لهذا نأمل نقل اقتراحنا بضرورة إيجاد هيئة مختصة بالتطوّع، مهمتها إصدار الأنظمة والقوانين واللوائح، وكذلك خلق بيئة تطوعية في الجهات المعنية كدور الأيتام والعجزة والإصلاحيات والمستشفيات. نحن لسنا مع العشوائية في أي مكان أو عمل ليقيننا أن ضررها أكثر من نفعها. العمل التطوعي المقنن سيفيد في نهضة المجتمع والرفع من مهارات الأفراد. إننا مؤمنات أن التطوع قادم بقوة لأن الناس لديها رغبة قوية للمساهمة في البناء والعطاء وإهمال هذه التطلعات سيعطل من الحماس وقد يؤسس أعمالا فوضوية غير مرغوب فيها. انتهت الرسالة.

أنا أضم صوتي إلى صوت الأخت وزميلاتها وأناشد الجهات المسؤولة ضرورة رصد الحركات التطوعية وتنظيمها. إن هذه الرغبة لدى البعض في العطاء لا يجب على الإطلاق أن يقابلها هذا الرفض من المتلقي المستفيد. في زمن كزمننا هذا حيث يصل معدل البطالة بين النساء إلى أكثر من 28%، يأتي العمل التطوعي ليمنح الأفراد الطموحين القدرة على مواصلة العطاء والابتعاد عن الخمول والكسل الناتج من عدم توفر العمل. كيف يمكننا قبول مبدأ الرفض لمن تريد أن تعمل بالمجان؟ ألهذا الحد وصلت بنا الحال مع البطالة؟ الواجب علينا ليس فقط تشجيع من يتطوع بل تكريمه وتسهيل مهامه والاستفادة من سمو خلقه وعلمه وقدرته النبيلة على العطاء بلا مقابل.