الرحلة إلى العالم السفلي أو العلوي ممتعة إلى حد الإذهال، فما نراه بأعيننا لا يزيد عن شق صغير، من عالم لا يكف عن الاختفاء فوق رؤوسنا، أو من تحت أقدامنا. وما زلت أذكر عرضا شيقا عن العالم قوة أربعين، حين حاول شاب أن يأخذنا في رحلة الملكوت العلوي والسفلي صعدا وهبوطا، صعودا إلى المجرات، وسفلا إلى عالم اللبتونات. صعد بنا الرجل إلى العالم قوة 24 فوقا والقوة 16 سفلا، فأما السماء فكانت كل مرة برفع الرقم قوة جديدة، أي المتر الواحد في المسافة يمط كل مرة عشرة مرات أكثر، أي مع القوة 3 نصبح في مدى ألف متر أو كيلومتر، فنرى العالم برؤية جديدة، لنصعد من جديد مرة أخرى إلى عشرة كيلومترات، ثم مائة كيلومتر ثم ألف كم، وكل مرة تختلف الرؤية حتى تغيب الكرة الأرضية عن أعيننا.
عرض كل ذلك انطلاقا من عائلة أمريكية تقضي وقت ارتخاء ممتع على حافة بحيرة مشيجان أو بجنب شلالات نياجارا.
لقد حفظت الفيلم جيدا وتأثرت به، وتذكرت معراج وإسراء النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف رأى الملكوت؟
ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى.. تابع المصطفى صلى الله عليه وسلم الرحلة حتى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى..إذ يغشى السدرة ما يغشى ..
الله أكبر .. قال الصوفي الجنجوي على ماذكر محمد إقبال في كتابه تجديد التفكير الديني؛ أحلف بالله لو ذهبت في تلك الرحلة، ورأيت ما رأى النبي ما رجعت بعدها إلى الأرض قط..
نعم هنا وفي هذه النقطة بالذات يختلف وعي النبي صلى الله عليه وسلم عن وعي الصوفي بين روح التبليغ والعودة للناس، وروح الذوبان في عالم روحاني.
تتابع الرحلة طريقها إلى حواف مخيفة؛ فيقول العلم نقف هنا ولا نقف، ولكنها حواف العلم وشواطئ المجهول، والآن وبسرعة في رحلة العودة إلى الأرض، كل مرة تنكمش المسافة بأسرع من رحلة الذهاب، حتى نصل يد السيد المستلقي هناك بجنب الشاطئ وملايين المصانع تشتغل في بدنه هو عنها غافل..
ثم نخترق الجلد إلى عالم المجهول السفلي؛ الخلية.. النواة.. الكود الوراثي.. التركيب الذري.. ثم نخترق الذرة إلى المكونات مادون الذرية من البروتونات واللبتونات..
كل مرة يصغر العالم ويدق ونحن نراه من داخله..
وأخيرا إلى أين.. الكواركز إنها اللبنات الأولى لتركيب البروتونات.
ولكن هل انتهت الرحلة وخلصت؟ أم ما زالت ماضية في طريقها إلى الأصغر والأصغر، محطمة في طريقها ديموقريطس أبو النظرية الذرية ومعه نيوتن بثبات الوحدات الأولية في تركيب الكون؟؟
الجواب .. لا أن نفس الكواركز مركبة من أوتار فائقة الدقة، وأن أبعاد العالم الذي نعرفه ليست ثلاثة ولا أربعة كما قلب آينشتاين المعادلة الكونية بل 11 بعدا بأوتار فائقة الدقة لا تزيد عن طاقة.. في النهاية لم نعد نمسك شيئا بعد أن تبخرت المادة ودخلنا عالم الروح ..
هذا المعنى يقرع في أذني مثل صلصلة الجرس؛ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا..