حرصت دوما على ألا أعكر مزاج من يقف عند كلماتي ويشاركني أفكاري، إلا أن الواجب يحتم علي في بعض الأحيان تغيير مساري، فالمعذرة كل المعذرة على ما قد تحمله هذه الكلمات من إزعاج لمزاجكم العام.
سأتحدث اليوم عن السياسة العامة لرموز الكيان الصهيوني، سياسة لا أستوعبها ولن أفعل مهما بذلت، فهي من وجهة نظري خارجة عن القانون، صاغتها جماعة امتهنت الإجرام، جماعة لا تعترف بالأخلاق السامية ولا بالمثل العليا، وتتعامل مع نفسها ومع غيرها بما يناقض ذلك كله، فهي تعتبر الفساد والإفساد من طبيعة البشر، ولا مانع لديها لو تحدث باسمها أو حدد سياستها متهم بالفساد المالي والسياسي، ولا غضاضة عندها لو ثبت أمنيا ما يدعو لمحاكمته في جرائم تتعلق بالأمانة والذمة، فحكومة الكيان الصهيوني دأبت على تولية أمرها للمفسدين في الأرض.
وها هو العالم يشهد بأم عينه وزير خارجية الكيان الصهيوني "أفيغدور ليبرمان" المتهم بالفساد والاحتيال وتبييض الأموال وخيانة الأمانة، ممارس لمهام وظيفته الرسمية، ها هو يمثل جماعته ويتحدث باسم عصابته، ولا غضاضة عنده -أو عندهم- في التحقيق الذي أجرته معه مؤخرا وحدة التحقيقات الوطنية بجرائم الاحتيال في الكيان الصهيوني، والذي تم للمرة الثالثة واستغرق ساعات طوالا، والغريب أن هذا الرجل امتهن الجريمة بامتياز، فملفه عند الجهات الأمنية الصهيونية متخم بالفساد المالي والمهني، والأدلة التي تثبت تورطه في قضايا رشوة، وتزوير، وإعاقة مجرى سير العدالة، وتحرش بشهود إثبات، وغسل أموال، تجاوزت الشك إلى اليقين، أدلة وجهت أصابع الاتهام إليه قبل توليه وزارة الخارجية وبعدها، رجل كهذا كان طبيعيا أن يبغض الحق وأهله.
إلا أن المضحك في نفسية ليبرمان المريضة هو تطاوله على قمم عالية لا يمكن له عقلا ملامسة آثار أقدامها، وها هو هذه الأيام يطلق زوبعة جديدة في فنجانه، الفارغ دوما من أي مضمون، فقد أثار حفيظته ذاك النجاح الملحوظ لسياسة المملكة العربية السعودية العامة والخارجية على السواء، أغاظه ثبات مواقفها من القضية الفلسطينية، ودفاعها الذي لا يستكين عن الحق الفلسطيني، مواقف أهلتها عالميا لتكون أول دولة عربية تتولى رئاسة اللجنة الاستشارية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) المنظمة التي بدأت منذ ستين عاما وتضم 23 دولة، والتي تعمل على تقديم الدعم والعون لأكثر من أربعة ملايين لاجئ فلسطيني موجودين في ثمانية وخمسين مخيماً داخل فلسطين وخارجها.
فليبرمان هذا مدرك تماما أن المملكة تعد من أكبر الدول المانحة للاجئين الفلسطينيين، وقلقه نابع من كون المملكة العربية السعودية قادرة بهذه الرئاسة على تقديم دعم أكبر للاجئين الفلسطينيين. ليبرمان هذا بالتأكيد مات غيظا مما جاء على لسان المفوض العام لوكالة (الأونروا) "فيليبو غراندي" في أول زيارة له إلى المملكة منذ أيام إذ قال: (بأنها أهم زيارة منذ تقلده منصب المفوض العام، فالمملكة تعد شريكا مهما لـلأونروا) كما أكد: (أن من أهم الأولويات التي قدم من أجلها، تقديم الشكر للقيادة السعودية التي دعمت بقوة "أونروا" سياسياً ومالياً وأخلاقياً، خصوصاً في السنوات الأخيرة الماضية، مثمناً المواقف الإنسانية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز).
أما الزوبعة التي أثارها في فنجانه المكسور فهي تتمحور حول ما دأب عليه منذ توليه وزارة الخارجية من مهاجمة المملكة العربية السعودية سرا وعلنا، فقد أكدت صحيفة إسرائيلية: أن ليبرمان وضع خطة - جديدة قديمة - لشن حملة إعلامية وقانونية دولية ضد المملكة العربية السعودية زاعماً أنها تقف وراء مناشدة العالم نزع شرعية الكيان الإسرائيلي، مؤكداً أنها العنصر الرئيسي الذي يقف وراء الحملة الدولية ضد إسرائيل وكبار مسؤوليها في أنحاء العالم، فوزارته ترى أن السعودية تبادر وتمول قسماً كبيراً من الدعاوى في المحكمة الدولية والمداولات العلنية والمؤتمرات والملاحقات ضد إسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى في العالم. . ويجب وضع حد لهذا. !
ومن المتوقع أن يصدر الأفاق تعليماته إلى جميع سفراء إسرائيل في العالم وجميع المنظمات اليهودية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى، من أجل البدء في شن حملة إعلامية وقانونية دولية واسعة النطاق ضد المملكة العربية السعودية.
وقد أثار إعجابي ردة الفعل التي أظهرها مجلس التعاون الخليجي تجاه هذه القضية، فقد صرح أمينه العام عبدالرحمن بن حمد العطية بأنها تعبر عن إفلاس سياسي للكيان الصهيوني، كما بين (أن هذا المخطط يكشف عن محاولة يائسة هدفها تغطية الحقائق بغربال التضليل الإسرائيلي، الذي يسعى لصرف الأنظار عن المآزق الإسرائيلية، الناجمة عن السياسات والممارسات العنصرية والعدوانية المتواصلة للحكومة الصهيونية، ضد الفلسطينيين, والمناهضة للمبادرات الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط)، مؤكداً (أن سياسة المملكة تجاه قضايا العرب والمسلمين معروفة، وهي موضع تقدير واحترام عربي وإسلامي ودولي). أعتقد أن قوله هذا هو مربط الفرس، فالعالم كافة يشهد للمملكة ولسياستها المعتدلة المنصفة بشكل عام، وللقضية الفلسطينية بشكل خاص، سياسة استحقت المملكة عنه تقدير العالم بجدارة.
إلا أن الغريب أن عددا من كبار السياسيين الصهاينة داخل وزارة الخارجية وخارجها أعلنوا معارضتهم لهذه الحملة، لا لاعتقادهم بفسادها، بل لأنهم يعتقدون أنها ستفتح عليهم جبهة أخرى لا تعود على كيانهم بأية فائدة، وقد تعود عليهم بخسائر لا طائل من ورائها، فليبرمان الذي أكل الحقد والحسد قلبه وأراد بهذه الحملة نصر كيانه، والتقليل من قامة المملكة، أصاب عقله العمى، فلم يعد يرى موقع قدميه، وأصبح يهذي بما لا يعي، وحاله هذه تذكرني بالمثل القائل (أراد أن يكحلها فأعماها). . وأخيرا لا بد أن أشير للموقف السلبي لهؤلاء المعارضين، فهم لم يشيروا لأي إجراء عملي قد يتخذ من قبلهم لإيقاف هذه الحملة التي ستفتح عليهم بحول الله وقوته جبهة من الصعب اختراقها.