تحولت الكتابة عن فترة الثمانينات الميلادية إلى ما يشبه "الموضة"، فبعض من كتبوا وما زالوا يكتبون عن تلك المرحلة، لم يحولوا الكتابات العامة وربما "الخاطفة" إلى دراسات أو أبحاث علمية، تتعمق في المكونات الثقافية خصوصا صراع "الحداثة" و"الصحوة". ففي اعتقادي أن المشكلة في حالة الكتابة مثلا عن المد الدعوي الذي اصطلح عليه بـ"الصحوة"، في أنها تأتي بشكل ارتجالي أو ضمن "الموضة"، فكثيرون ما زالوا يركزون على أن " الصحوة" أثرت بشكل سلبي على نظرة الكثير من الشباب والفتيات للحياة، وأنها ـ كما يرى هؤلاء ـ جعلت المظهر الخارجي للفرد العنوان الأهم للحكم عليه. ولكن التساؤل الذي أغفل إلى حد ما، وأرى أنه يحتاج إلى رؤية شفافة تنطلق من منظري تلك المرحلة من مشايخ أو أدباء ومثقفين، هو: أي الطرفين رسخ القيم الدينية والإنسانية الحقيقية في أتباعه وتلاميذه؟. فكل طرف يدعي أنه يسعى في طروحاته إلى ترسيخ قيم الصدق مع الذات ومع الآخر والإخلاص في العمل وإعطاء الحقوق، وكلها في النهاية قيم دينية إنسانية.
حقيقة أتمنى أن أجد بحثا محايدا يعتمد على بيانات وإحصائيات دقيقة، تكون عينته شبابا وفتيات لا تتجاوز أعمارهم / أعمارهن ثلاثين عاما، فهم المنتج الحقيقي لتلك المرحلة الذي يعمل حاليا على تشكيل مستقبلنا الثقافي والفكري . بحيث يكون الهدف النهائي للبحث هو قياس مدى ما يملكه هؤلاء الشباب والفتيات المحسوبون على التيارين الفكريين (الصحوة والحداثة)، من قيم إنسانية لا تختلف عليها ديانات سماوية أو أنظمة وضعية، وفي مقدمتها قيم الصدق والأمانة، للخروج بنتيجة علمية صادقة ـ حتى وإن كانت صادمة ـ عن التأثير الأهم لأي تيار وهو التغيير الإيجابي الذي تنشده كل أمة.
فمن المعروف أن لكل حركة فكرية أو اجتماعية مظاهر سلبية أو رواسب جانبية، تتلاشى مع الزمن كأمر طبيعي، ولا يفترض أن تؤخذ على أنها لب القضية فتعزف عليها "معزوفة" الشتائم والانتقاص من الآخر.
إذن المشكلة تتمثل في السطحية التي تناقش بها قضايانا الفكرية والاجتماعية، واستسهال الخروج بأحكام عامة ضد هذا التيار أو ذاك، مما أقصى كل الرؤى الموضوعية، فخرجت من ساحة الحوار. وبقي الوسط الفكري في المملكة، في حالة تخندق، كل يحمي رايته باستماتة، حتى وإن تطلب الأمر الكذب أو التدليس انتصارا للذات ولـ"رفيق الدرب".