بمجموعات صغيرة من الفتيات اللواتي لا يملكن إلا أصواتهن الشجية الحالمة، المحلقة بعنفوان جهة المستقبل انطلق المهرجان الإنشادي الخيري في الأحساء الذي تنظمه جمعية البر (فرع الفيصلية) .. دعيت لهذا المهرجان فلبيت، وهذه هي المرة الأولى التي أرى فيها عن كثب كيف تنصهر نون النسوة وتذوب في الآخر فتتعب لتهديه راحة وتتألم لتمنحه ابتسامة وتسهر ليغط مرتاح البال في نوم عميق. كيف لا وهذا الآخر ما هو إلا يتيم بدأ بمقارعة الحياة الشرسة وحيدا أعزل أو فقيرا لم تفلح الحاجة والعوز في تمزيق رداء كرامته فهو متعفف تحسبه من الأغنياء أو مطلقة أو أرملة تبحث عمن يعينها في تربية أبنائها في غياب عائلهم. كنت أعرف عن فكرة هذا المهرجان وبدء الاستعداد له منذ أن كانت الأستاذة الفاضلة نوار بوخمسين المشرفة على القسم النسائي والمتشربة بوطنها حتى النخاع تقلب صفحات الكثير من الدواوين الشعرية تبحث عن قصائد وطنية تحبها هؤلاء الفتيات ويعشنها ويعشقنها قبل أن ينشدنها وتستأذن الشعراء والشاعرات في تلحين قصائدهم وإنشادها، لكني نسيت الموضوع بعد ذلك وعاشته نوار بكل تفاصيله وسافرت أنا وأكبّت هي بكل ما تملك من جهد ووقت تساندها كوكبة من السيدات اللواتي أوقفن أنفسهن لعمل الخير لوجه الله تعالى، هؤلاء السيدات اللاتي تصر نوار دائما وفي كل محفل خيري أنها لم تكن لتعمل شيئا بدونهن، حتى وصلتني الدعوة لحضور هذا المهرجان الذي نسيته، لم آخذ البطاقة المخصصة لي ونويت شراءها دعما للمهرجان وتوقعت أن تكون قيمتها مرتفعة كما تفعل بعض الجهات الخيرية عندما تبيع بطاقات الدخول بأسعار مبالغ فيها باسم (فعل الخير) الإجباري. لكنني فوجئت بأن سعر البطاقة لا يتجاوز الخمسة عشر ريالا، ففهمت ما ترمي إليه السيدة التي رأيتها تشتري بطاقتين حيث دخلت بواحدة ودست الأخرى في حقيبتها، شدت الفتيات بالقصائد وأدهشن الحضور بمواهبهن وبالتدريب الضخم الذي تلقينه، أضحكن الحاضرات وأبكينهن بمشاهد تمثيلية مؤثرة، كانت كل التفاصيل حاضرة في هذا المهرجان فلم يغفلن شيئا لوحات الحائط، المؤثرات الصوتية والضوئية واللوحات التراثية والأزياء الشعبية، حقيقة لم أعرف قصيدتي فقد تقازمت أمام جهد هؤلاء وإرادتهن وتلاشت لكني رأيتها في ملامحهن وعيونهن حبا للوطن وإشادة به.. كان دعم المحلات التجارية ورجال الأعمال ضئيلا لهذا المهرجان الضخم لكنه لم يؤثر على إرادة وعزم القائمات عليه، مبارك للأحساء نجاح هذا المهرجان وألف شكر وباقة ورد لكل من قام بجمع القصائد وتلحينها وتدريب الفتيات عليها، ألف شكر للأصوات الطموحة التي هزت مشاعر الحضور من الأعماق. وسعيدة لأنني منحت فرصة مقابلة هؤلاء الفتيات والسلام عليهن، فقد كنت أكثر سعادة بلقائهن.