أصيبت أسواق المال العالمية يوم الثلاثاء الماضي بموجة من الذعر، دفعت بمؤشر داو جونز إلى كسر حاجز 10 آلاف نقطة نزولا، وتبعته انخفاضات حادة في كل المؤشرات الأوروبية والآسيوية. لم يكن هناك من دافع حقيقي لهذا النزول المفاجئ، ولكن ما حدث هو أن نفسيات المتعاملين في أسواق المال لم تتعاف بعد من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.

فعلى الرغم من أن تقارير المؤسسات الاقتصـادية العالمية في الأمـم المتحدة وصندوق النقد ومجموعة الدول الصناعية تؤكد أن الكساد قد ولى، وأن الاقتصـاد العالمي سينمو بمعدل يتراوح مابين 2.5% إلى 3% على الأكثر، إلا أن أسواق المال مازالت غير واثقة من هذه النبوءات.

ففي الولايات المتحدة نجد أن بعض المؤشرات تدل على خروج الاقتصاد من الكسـاد، ولكنها تعود لتنتكس فجأة كما حـدث مع مؤشر أسـعار المنازل القائمة. بالإضافة إلى الضغط الذي سيفرضه واقـع الدولار القوي على أسعار الصادرات الأمريكية، ما قد يدفع المصانع إلى العمل بطاقة إنتاجية أقل، الأمر الذي قد يؤثر على أعداد الوظائف المنتجة ونسبة البطالة.




أما أوروبا، فالمشهد أكثر كآبة، فأسواق المال لم تستجب بالشكل المأمول لخطة الإنقاذ التريليونية، واستمرت أسعار الفائدة على الديون السيادية الأوروبية تراوح مكانها بدلا من الانخفاض. وتبع ذلك تأميم إسبانيا لأحد مصارفها الرئيسية ليؤكد أن عدوى اليونان قد بدأت بالانتشار بالفعل إلى دول أوروبية أخرى.

فخرجت إلينا عدد من الدول الأوروبية معلنة خططا تقشفية، في محاولة أخيرة لمكافحة أزمة أوروبية شاملة، كإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا، الأمر الذي قد يساهم في خنق أي انتعاش اقتصادي. فالتقشف في المصاريف الحكومية سيجعل فرص التدخل المباشر لمواجهة أي أزمة محتملة معدومة، وسيزيد من وطأة الحمل على القطاع الخاص في حال اضطرت الحكومات إلى رفع الضرائب.

معظم المعلومات السابقة معروفة لدى جميع المتعاملين في أسواق المال، ولم يكن لأي منها الأثر المباشر وراء الهلع الذي أصاب أسواق المال العالمية. بل إن الشرارة التي بدأت هذه السلسلة من التفاعلات المالية كانت قد بدأت في الأسواق الآسيوية، بسبب المخاوف من اندلاع حرب شاملة في شبه الجزيرة الكورية. الترابط الكبير بين اقتصادات أسواق المال في الدول الصناعية المتقدمة جعل الخوف من العدوى أشد فتكا من سرعة انتقال العدوى نفسها. ولذلك فإن هذه الحالة من الهلع ستبقى مسيطرة على نفسيات البورصات العالمية حتى يتمكن الاقتصاد العالمي من إيجاد قاعدة صلبة تمكنه من النمو حولها.