اتفقت عواصم العالم على أن الشعب السوري وشعوب المنطقة ستدفع ثمن الفيتو الروسي ـ الصيني الذي أجهض المحاولة الأخيرة لبناء إجماع دولي على حل دبلوماسي للمواجهة بين المعارضين ونظام الرئيس بشارالأسد، وأفسح المجال لمزيد من إراقة الدماء حيث أفيد عن مقتل 38 شخصا بينهم 5 أطفال و3 نساء.

وفيما تعاقبت ردود الأفعال في واشنطن حيث أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أنها ستجفف مصادر واردات الأسلحة إلى سورية، فإن عددا من الآراء ترددت حول سبل مواجهة الأزمة التي خلفها استخدام الفيتو على درب بناء موقف دولي موحد.

ودعا الرئيس السابق لمركز العلاقات الخارجية الأميركي ليزلي جيلب إلى حملة لدعم المعارضة "بكافة الوسائل لاسيما العسكرية". وقال "الواضح أن النظام السوري ومعارضيه وصلوا لنقطة اللاعودة، وأن احتمالات حل تصالحي باتت الآن أبعد من أي وقت مضى. وسيتعين على المعارضة أن تحسم الموقف في الميدان".

أما الباحث في الشؤون السورية بجامعة كوين ماري في لندن كريس فيليبس فقال إن "الفيتو أوقف عملية بناء موقف دولي موحد. وسيتوقف الكثير على موقف تركيا الآن".

وشرح فيلبس أن "أنقرة كانت متمسكة بضرورة الحصول على قرار أممي قبل أي خطوة ذات شأن على الحدود بين البلدين. ويدفعني ذلك إلى الاعتقاد أن تركيا ستكون أكثر انفتاحا على جهود دعم المعارضة مما كانت عليه بالفعل حتى الآن". وأشار جيلب إلى أن مسار المعارضة السورية سيكون شائكا. ولكن المهمة الكبرى الآن هي بناء الجيش السوري الحر بصورة جادة لانتزاع المبادرة العسكرية من النظام". وتابع "تركيا ستلعب دورا كبيرا في ذلك. فالأتراك يدركون أن بقاء الأسد سيعني عدم الاستقرار في سورية لسنوات طويلة إذ لن يقبل المعارضون بعد كل تلك الدماء ببقاء النظام. كما أنهم يدركون أن احتمالات التدخل العسكري الدولي انتهت بالمعارضة الروسية. ولكن لماذا يتعين على المجتمع الدولي التدخل عسكريا إذا كان بوسع أبناء الشعب السوري حسم المواجهة عن طريق الجيش السوري الحر؟. لا أعتقد أن من الحكمة تكرار النموذج الليبي في سورية بما يحمله ذلك من مخاطر إشعال حرب إقليمية أوسع نطاقا بكثير. الكلمة الآن هي كلمة تقديم دعم مفتوح للجيش السوري الحر ومساندة عملياته بوسائل معينة عبر الحدود التركية".

ولكن التشدد الدولي ضد سورية بدا واضحا أمس، حيث توعدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بتجفيف مصادر التمويل وواردات الأسلحة لسورية. وقالت خلال زيارة لصوفيا "سنعمل على فرض عقوبات إقليمية وقومية ضد سورية وعلى تشديد العقوبات المفروضة حاليا، وستطبق هذه العقوبات بشكل تام من أجل تجفيف مصادر التمويل وشحنات الأسلحة التي تبقي على استمرار آلة حرب النظام". كما توعد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإسقاط الرئيس الأسد، وقال إن فرنسا لن تيأس وستتشاور مع دول عربية وأوروبية لتشكيل مجموعة اتصال بشأن سورية لحشد الدعم الدولي لتنفيذ الخطة العربية.

وفي السياق، أعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أمس أن الجامعة ستواصل جهودها مع الحكومة السورية والمعارضة لوقف أعمال العنف. وأضاف "أن إخفاق مجلس الأمن لا ينفي أن هناك دعما دوليا واضحا لقرارات الجامعة العربية". ولم يستبعد العربي إمكانية عرض الخطة العربية مجددا على مجلس الأمن في إطار مشروع قرار جديد، سيبحثه وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم المقرر في 11 فبراير الجاري. وكان الفيتو الروسي الصيني شهد استنكارا واسعا عربيا ودوليا، خاصة بعد تصريحات روسية صينية لتبرير موقفهما، إضافة إلى إشادة النظام السوري بالفيتو المزدوج واعتبرته "فيتو تاريخيا". فقد دان المجلس الوطني السوري الموقف الروسي الصيني، واعتبره "رخصة للقتل بدون محاسبة". كما نددت جماعة الإخوان المسلمين السورية "بالتواطؤ الروسي الصيني"، داعية إلى مقاطعة سلع البلدين.

وبدورها جددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون دعم الاتحاد لجهود الجامعة العربية، ودعت الدول الأعضاء بمجلس الأمن إلى الاضطلاع بمسؤولياتها. أما الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي فأعربت عن أسفها لفشل مجلس الأمن، معربة عن أملها في ألا يؤدى عجز المجلس إلى سقوط المزيد من الضحايا في سورية. كما أعلنت تركيا تذمرها من استخدام روسيا والصين للفيتو، وقال وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو في ميونيخ "سندفع نحن ثمن هذا الأمر". كما قال وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية خالد العطية في ميونيخ أمس أيضا، إن "عجز مجلس الأمن يعطي حكومة الأسد رخصة لقتل المتظاهرين. وهذا ما كنا نخشاه".