لم يغب عن أذهان المتابعين، لعملية تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية، والمطالبين بذلك، تصريح الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق، فضيلة الشيخ إبراهيم الغيث، أثناء إلقائه كلمة، حيث قال، بأن الهيئة وقفت جدارا منيعا ضد تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية. ولما أخذت الصحافة تتساءل، كيف يحق لجهاز حكومي تنفيذي أخذ قرارات من تلقاء ذاته ويطبقها على أرض الواقع؟! استدرك الشيخ الخطأ الذي أوقع فيه جهازه، وحاول تصحيح كلامه، بأنه يقصد بأن الهيئة كانت تنفذ قرار مجلس الوزراء رقم (187) والذي يمنع الاختلاط في مكان العمل. وعلى أساس تصريحه التصحيحي، أصدرت وزارة العمل بيانا توضح فيه بأن قرار مجلس الوزراء رقم ( 187)، قد تم إلغاؤه من قبل مجلس الوزراء، منذ عشر سنوات، وتم استبداله بالقرار رقم (120)، القاضي بتأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية ومطالبة وزارة العمل بالسعي لتنفيذه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل المطب الذي وقع فيه الرئيس العام الأسبق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان ناتجا عن عدم دراية الهيئة بقرار مجلس الوزراء الجديد، والذي هو قديم بنفس الوقت؟ وعليه عدم علمها بصدور قرار من مجلس الوزراء ينقض القرار الذي تعمل على ضوئه وتطبقه بكل حماس وأمانة؟ قد يكون هذا ما حصل بالضبط. وهنا يطرح سؤال آخر نفسه، هل المشكلة هي مشكلة اتصالات بين مختلف وزارات ومؤسسات وأجهزة الحكومة والقرارات التي تخرج من مجلس الوزراء؟ أم هي مشكلة وزارة العمل التي تصدر أنظمة وقوانين بناء على ما يصلها من قرارات مجلس الوزراء، وعليه تمنح للمستثمرين رخصا رسمية، تشجيعاً منها لهم على تطبيقها؛ ثم تقف متفرجة على عمل بعض وزارات ومؤسسات وأجهزة الحكومة التي تقف جدار منيعاً ضد تنفيذ قرارات هي من صلاحياتها؟ وعند ظهور مثل هذا الخلل الإداري والخلط في المسؤوليات بين أجهزة حكومية لها صلاحيات ميدانية، مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة العمل، لماذا لم يعالج الخلل في وقته، لتفادي وقوع ضحايا جدد من المستثمرين، الذين أخذوا يفقدون الثقة بمثل هذه الفرص التجارية التي لم تحسب خسائرها وأخطارها عليهم.
هذا ما وقع قبل سنتين، وكان يجب أن يكون جزءا من أخطاء الماضي. ولكن فاجأتنا صحيفة المدينة يوم الأحد الماضي، 23 مايو 2010 بخبر مفاده "أغلق اعتراض لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة المنورة على مسمى (قسم نسائي) مركزا للتسوق بالمدينة كتب عليه “للعائلات”، حيث قامت الإمارة بإيقاف العمل مؤقتا لحين انتهاء القضية والبت في الخلاف بين معارضة الهيئة لوجود قسم نسائي مخصص للعائلات فقط في السوق الكبير، والذي يعمل فيه عدد من النساء، حيث طالبت الهيئة من إدارة السوق ومكتب العمل تغيير مسمى القسم من العائلات إلى النساء فقط، ورفعت تقريرا بذلك إلى الإمارة وبررت فيه الأسباب التي دفعتها إلى تخصيص القسم للنساء فقط بدلا من العائلات.
وفي الوقت نفسه يحتفظ السوق بتصريح من مكتب العمل ساري المفعول يسمح بفتح قسم للعائلات، ويسمح بممارسة عدد من النساء المدربات في هذا القسم الذي يخدم العائلات، والخلاف تسبب في إيقاف عدد من الموظفات عن العمل بعد عدة أشهر من التدريب ونجاح المشروع".
والسبب الذي لم يتم الإفصاح عنه في الخبر أعلاه واضح، وهو تحويل مسمى القسم إلى النسائي، بدل العائلات، يعني منع الرجال المرافقين لعائلاتهم من الدخول للقسم. أي يتم تسكيره ليصبح خاصا بالنساء فقط. وهذا دوماً ما تصر عليه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كان يعارض قرارات مجلس الوزراء. فإذا كان المقصود من منع الرجال مرافقة عائلاتهم في القسم، خشية الاختلاط كما تتحجج به الهيئة، فماذا يسمى دخول النساء لوحدهن في المحلات التي تبيع لوازم نسائية داخلية خاصة جداً، في محلات يبيع فيها رجال "غرباء" حتى عن عاداتنا وتقاليدنا، وتلك المحلات مفتوحة جداً للنساء والرجال والعائلات صغارا وكبارا وغيرهم ممن هب ودب؟! تناقض غريب جداً جداً، يحتاج إلى مراجعة جادة. إذاً فالقضية هنا، كما أعتقد وأرجو أن أكون مخطئا، هي ليست قضية اختلاط، بقدر ما هي قضية منع السعوديات من البيع في المحلات التجارية، ولو كانت لبيع المستلزمات النسائية الداخلية؛ إيماناً بأن المرأة السعودية مكانها هو البيت وتربية الأطفال لا غير، مهما كان الثمن مناقضاً للنظام والعقل والمنطق.
لمزيد من الاستيضاح عن الخبر اتصل مراسل صحيفة المدينة بالمتحدث الرسمي باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدينة المنورة الشيخ بندر الربيش وسأله عن هذه القضية فأجاب قائلاً: ليس للهيئة الصلاحية في إيقاف العمل بالقسم النسائي. وطلب الشيخ من المراسل الاتصال به بعد نصف ساعة للاطلاع على القضية لكنه، وكما أشار مراسل الصحيفة بأن الشيخ لم يرد على اتصالاته المتكررة إلى ساعة إعداد الخبر.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ما زال المتحدث يبحث في ملفات الهيئة الرسمية عن قرارات قديمة، ليعلق عليها الجرس، كالعادة. أم هو صدم كذلك بالخبر، كما صدم به الآخرون. إن كان السبب الأول فتلك مصيبة، وإن كان الثاني فالمصيبة أعظم.
المدينة التقت بعض العاملات اللواتي عملن في القسم لمدة شهرين، حيث عبرن عن آلمهن لهذا الحدث الذي أدى إلى إيقاف رواتبهن وتعطيل مصالحهن من دون أن يفهمن له أي تبرير. أورد هنا شكوى أحداهن وهي أم خالد حيث قالت: إن القسم النسائي في السوق خدم كثيرا من العائلات التي فصلها عن بقية المتسوقين. وقالت: نحن داخل القسم نرتدي الحجاب ونتعامل مع العائلات فقط وهذا العمل تلقينا فيه تدريبات كثيرة وفعلا وجدنا إعجاب العائلات فيه ولكن لانعرف لماذا تعارض الهيئة وجود القسم وتحويله إلى النساء فقط، بالرغم من الرقابة على القسم، وهذا الخلاف تسبب في قطع أرزاقنا لأننا نعتمد على الراتب الذي نحصل عليه من السوق، ونحن سوف نتقدم بشكوى لإمارة منطقة المدينة المنورة نطالب فيها بالسماح لنا بالاستمرار في العمل خصوصا أنه لايوجد فيه شيء يسيء للدين ولا للمجتمع وتقاليده ونحن نتمنى النظر في موضوعنا.
ويبدو أن إشكالية عمل النساء في محلات بيع المستلزمات النسائية، مشكلة مزمنة في ظل تضارب الصلاحيات وادعاء أكثر من جهة حكومية بأنها المسؤولة عنها والمؤتمنة عليها دون غيرها. وبوادر الحل لهذه المعضلة، لا تلوح لا من قريب أو من بعيد، في ظل تنصل وزارة العمل عن مسؤولياتها تجاه الفرص الاستثمارية التي تعرضها على المستثمرين وتمنيهم بها، ولا الرخص التي تمنحها لهم. ولذلك فعلى كل مستثمر يتم منحه رخصة رسمية لمزاولة نشاط استثماري، ثم تتدخل جهة حكومية أخرى وتوقف نشاطه بعد قيامه أن يرفع قضية على الجهة مانحة الترخيص، في ديوان المظالم يطالبها فيه بتعويضه عن خسائره. فبغير رفع القضايا لا ترجع وتتضح الحقوق.