الفتوى الأقوى والأكثر وضوحا في تجريم الإرهاب انتماء وتنظيما وتمويلا وتنظيرا جاءت من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، الهيئة التي تحظى بالقبول لدى معظم دول العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه فهل ثمة جديد في هذه الفتوى؟
 الفتوى ليست الأولى للهيئة في تجريم الإرهاب لكنها الأولى عالميا في تجريم التنظير والتمويل للعمليات الإرهابية، وقد أتت بمفردات دقيقة ومحددة وشاملة حيث جاء فيها: (وقد نظرت الهيئة في حكم: "تمويل الإرهاب باعتبار أن الإرهاب جريمة تستهدف الإفساد بزعزعة الأمن، والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة، كنسف المساكن والمدارس والمستشفيات والمصانع والجسور ونسف الطائرات أو خطفها والموارد العامة للدولة كأنابيب النفط والغاز، ونحو ذلك من أعمال الإفساد والتخريب المحرمة شرعاً، وأن تمويل الإرهاب إعانة عليه وسبب في بقائه وانتشاره). إلى أن خلصت بعد النظر في أدلة "تجريم تمويل الإرهاب" من الكتاب والسنة وقواعد الشريعة إلى أن للوسائل حكم الغايات، ولما جاء في الشريعة من الأمر بحفظ الحقوق والعهود في البلاد الإسلامية وغيرها.
 لذلك كله فإن الهيئة تقرر: أن تمويل الإرهاب أو الشروع فيه محرم وجريمة معاقب عليها شرعاً، سواء بتوفير الأموال أم جمعها أم المشاركة في ذلك، بأي وسيلة كانت، وسواء كانت الأصول مالية أم غير مالية، وسواء كانت مصادر الأموال مشروعة أم غير مشروعة.
 فمن قام بهذه الجريمة عالما، فقد ارتكب أمراً محرماً، ووقع في الجرم المستحق للعقوبة الشرعية بحسب النظر القضائي.
 وهذه الأسطر الأخيرة هي أهم ما في الفتوى، وهي الجديد على العالم الذي ظل طوال السنوات التسع الماضية حائرا في الحد من هذه الظاهرة، وهنا لا بد من الإشادة بالشجاعة والمسؤولية التي تحلى بها أعضاء الهيئة من خلال حملهم العلم في الوقت الذي عجزت فيه عشرات المؤتمرات المنعقدة في العالم عن الخروج بقرارات حاسمة كالتي خرجت بها الهيئة.
 هذه القرارت الحاسمة التي لفتت خادم الحرمين الشريفين ومعظم السياسيين والعلماء في العالم لم تنل حظها الكافي من التغطية الإعلامية التي بدونها لا يمكن أن تؤثر فيمن استهدفتهم الفتوى وهم الممولون، لذا فإن تسخير الإمكانات الإعلامية التقليدية كالمنابر في خطب الجمعة والحديثة كالصحافة والتلفزيون والإذاعة يمكن أن يجعل من هذه الفتوى بوابة منيعة ضد من يمكن أن يغرر بهم في مثل هذه القضايا، لا سيما فيمن يزعمون أنهم متأثرون بالنهج السلفي في تبنيهم لقضايا الغلو والتطرف، فهيئة كبار العلماء أكبر هيئة في العالم الإسلامي تمثل أطياف المذاهب الإسلامية وترتكز على السلفية كمنهج.
 بيان الهيئة التاريخي لم يغفل قضية حساسة وهامة وهي العمل الخيري المصرح به، فجاء في البيان (وتؤكد الهيئة أن تجريم تمويل الإرهاب لا يتناول دعم سبل الخير التي تعنى بالفقراء في معيشتهم وعلاجهم وتعليمهم لأن ذلك مما شرعه الله في أموال الأغنياء حقاً للفقراء).
 وهو ما يعطي البيان شفافية ودقة ومصداقية عند كثير ممن يمكن أن يغرر بهم في مثل هذه القضايا.
 لذا لا أستبعد أن تعقد ندوات ومؤتمرات في الشرق والغرب تناقش أهمية تفعيل هذه الفتوى لا سيما من قبل الدول التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية.
 هذا البيان ربما أحرج نوعين من الناس، النوع الأول الإرهابيين المتطرفين الذين يعلمون يقينا أن مثل هذه الفتوى من هيئة بحجم هيئة كبار العلماء التي قليلا ما تصدر بيانات إلا من خلال قناعات تستند على نصوص شرعية واضحة سوف تحد من تغلغل أفكارهم التخريبية.
 والطرف الثاني هم أولئك الذين ما فتئوا يلصقون التهم بالسلفية وأهل هذه البلاد ويصفونهم بالإرهاب، ففتوى من هذا القبيل تجعلهم في حرج كبير لا سيما إذا عرفنا أنها الأولى عالميا بهذا الوضوح والقوة في مسألة تجريم تمويل الإرهاب بكل أشكاله.