المستهلك أمام ثلاثة أصناف فقط قابلة للاستهلاك: أولها السلع الزراعية والمنتجات الصناعية التي يفوق عددها 8081 سلعة ومنتجا، وثانيها الخدمات التي تعادل 12 نشاطاً رئيساً و144 نشاطاً فرعياً، وثالثها حقوق الملكية الفكرية من أدبية وصناعية وتقنية ومؤشرات جغرافية وبراءات اختراع لا تعد ولا تحصى.

قبل نصف قرن حددت الاتفاقات الدولية في النظام العالمي الجديد أربعة حقوق للمستهلك الذي يتوجب عليه أن يعرفها حق المعرفة: أولها حق النوعية وضمان استرجاع النقود تأكيداً على أن السلعة المشتراة ترقى للمستوى الذي يدّعيه البائع الذي يمثّل منتجي السلعة، والذين تعهدوا بإصلاحها أو استبدالها أواسترجاعها إذا لم ترق إلى المستوى المزعوم خلال مدة معينّة من الزمن، أو إذا لم يكن المشتري راضيا عنها تماماً. والثاني يكمن في حق الأمان المطلوب من السلعة، وأنها صالحة للاستخدام ولا تسبب أضراراً تستحق التقاضي والعقوبات على البائع. والحق الثالث هو حق المعرفة بماهية السلعة ومكوناتها الأساسية وطرق استخداماتها، خاصة إذا كانت من أنواع الأدوية والمأكولات الطبية. أما الحق الرابع فيكمن في حق المشتري أن يختار السلع التي يرغب في شرائها ويفاضل بينها.

وقبل أن تأتي العولمة بأحكامها وقواعدها الدنيوية التي أرغمت الدول على سن قوانين حماية المستهلك، كانت شريعتنا السمحاء قد سبقتها قبل 14 قرنا لتكون أول من سن مبادىء حماية المستهلك، مثل مراقبة الأسواق لمكافحة الغش التجاري: "من غشنا فليس منا"، وأول من حرّم الممارسات الضارة في التجارة والعقود غير العادلة بين التجار: "لا يبع بعضكم على بيع بعض"، ونبذ العقود غير واضحة النتائج: "كبيع الثمر على الشجر قبل أن يبدو صلاحه"، بل كانت شريعتنا السمحاء أول من اعتمد مبادئ مكافحة الاحتكار في قول رسول الهداية: "لا يحتكر إلا خاطئ"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه".

وقبل أن يبدأ العالم في رصد تحركات الأسواق وترتيب ممارسات البيع والشراء، كانت شريعتنا السمحاء أول من عرّف حماية المستهلك على النطاق العملي والرسمي والشعبي وحسم أمر مراقبة الأسواق بالحسبة، وذلك لدعم مبادىء الشراكة في الإسلام: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار". وجاء ابن تيمية ليؤكد على أن: "مهمة المحتسب مشارفة السوق والنظر في مكاييله وموازينه وتحديد الأسعار ومنع الاحتكار ومنع الغش والتدليس فيما يباع ويشترى من مأكول ومصنوع ورفع الضرر عن الطريق بدفع الحرج عن السابلة من الغادين والرائحين إلى نحو ذلك من الوظائف".

في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك 1396ه صدر المرسوم الملكي رقم (م/ 64) القاضي بتوحيد هيئات الحسبة تحت مسمى الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لسهولة الإشراف والمتابعة تحت مظلة موحدة للهيئة في كافة مناطق المملكة، وبدأت في الأخذ بالأسلوب الإداري الحديث، وازدادت العناية بجانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد هيأ لها ذلك الإحاطة بكافة ما يجري ويقع من أحداث في مناطق المملكة بالسرعة المطلوبة عن طريق اتصالها بفروعها، بالإضافة إلى إنشائها العديد من تلك الفروع والمراكز في المناطق والمدن والقرى والمناطق النائية بل في مختلف الأحياء.

وبتاريخ 26 شوال 1400ه صدر المرسوم الملكي رقم ( م/37) القاضي بالموافقة على نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المكون من 21 مادة مقسمة على أربعة أبواب. وحدد النظام مهام الرئاسة العامة في إرشاد الناس وتوجيههم وحثهم على فعل الخير عن طريق الترغيب، وتنبيههم على المنكر ونهيهم عن الوقوع فيه، والعمل على ما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات شرعاً، وكذلك العمل على منع اتباع العادات والتقاليد السيئة، والبدع المنكرة، وحمل الناس على أداء الواجبات الشرعية، والحرص على أن تظهر هذه البلاد بالمظهر الحسن المشرق اللائق بها بصفتها قلب العالم الإسلامي وقدوته ومحط أنظار المسلمين.

هذا النظام منح رجال الهيئة مهام لا تقتصر فقط على ملاحقة العباد في الأسواق وقفل أبوابهم للصلاة ومنع اختلاطهم بالنساء، والتأكد من أن كل رجل بصحبة عائلته فقط، بل منحهم هذا النظام الرائع العديد من المهام الجسام في كافة مجالات الحياة للتأكد من عدم جنوح الأسواق إلى الممارسات التجارية الضارة التي تهدد حياة وصحة وجيب المستهلك.

تصوروا لو عكفت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مراقبة الأسواق وتحريم الاحتكار والنهي عن الغش والبيوع التي تؤدي إلى المنازعات بين الناس، حيث أسند الرسول الكريم مراقبة ذلك إلى رجال الحسبة، وطلب صلى الله عليه وسلم منهم التدخل لتطبيق شرع الله وتحقيق مصلحة الناس وحاجاتهم إذا لزم الأمر سواء كانوا جماعات أو أفراداً، دون أي تسلط فردي أو جماعي ضماناً لحرية الأسواق وتأمين الرضا لروادها.

تصوروا لو قامت الهيئة بتدريب أفواجها على أنظمة المنافسة ومكافحة الغش التجاري والاحتكار وحماية حقوق الملكية الفكرية لمراقبة أسواقنا وإزالة الجهالة المفضية للتنازع من شروط العقد أو صفة المنتجات.

تصوروا لو أصبح رجال الحسبة خبراء عصرهم في تطبيق نظريات عقود البيع وفقه الربا والعمليات المصرفية المعاصرة للنقود، وفقه ملكية واستغلال المصادر والثروات الطبيعية وعقود الامتياز، وفقه الزكاة وفقه المضاربة والمزارعة والمشاركة في شركات الأموال.

تستطيع هيئة الحسبة أن تكسب قلوب المستهلكين إذا اهتمت بحقوقهم ورعت مصالحهم.