هل تدركنا حالات مللٍ من الحديث عن القضايا الكبرى؟ ألا نستحق شيئاً من الترفيه عبر نشر النكتة والتصالح مع الضحك؟
في كل مجتمع تركّز بعض النكات على فئة من الفئات.
في الغالب ينشأ اختيار تلك الفئة أو المدينة أو المنطقة لرواية النكات بشكل اعتباطي من دون تخطيط أو تآمر، بعض المدن تصالحت مع حالة الاستهداف بالنكتة. اضرب على ذلك مثلاً بـ"حمص" تلك المدينة التي اشتهر أهلها بالنكتة وسرعة البديهة، بل من إبداعات تلك المدينة "صناعة" النكتة.
الحمصيون تصالحوا مع حالة استهدافهم بالنكات. الكثير من النكت الشامية تبدأ بـ"فيه واحد حمصي"، مع أن الحمصيين اشتهروا بالذكاء على عكس ما تغرسه النكات من انطباعات سلبية عنهم. فالنكتة ليست دليلاً علمياً يمكن بناء موقف عليه تجاه فئة أو منطقة.
قبل أيام طالبت مجموعة "أصدقاء النكتة الحمصية" على موقع "فيسبوك"، منظمة اليونيسكو بأن تكون حمص العاصمة العالمية للضحك. يقول محافظ حمص إياد غزال:"إننا ندرس حالياً تنظيم مسابقة احتفالاً بهذه الحالة الإيجابية التي تميزت بها مدينة حمص، ضمن مهرجان القلعة والوادي الذي سيقام بين 22 يوليو (تموز) و5 أغسطس (آب) القادم".
ويضيف:"النكتة حالة من الدعابة المحببة لدى الناس، وهي حالة تفاعل مرتبطة بالحياة وتعكس الروح المرحة والمبادرة"، مشيراً إلى أن "الحماصنة اشتهروا في صياغة النكت وإطلاقها على أنفسهم".
قلتُ: كم هو موقف جميل أن نرى الوجه المضيء من كل ظاهرة؛ كان بإمكان الحمصيين أن يثوروا على النكات التي تروى عنهم، لكن احتجاجهم لن يغيرّ من الأمر شيئاً، لأن النكتة ليست علماً أو مقرراً أو نصاً شعرياً يمكن منعه أو السيطرة عليه؛ وإنما هي روايات تتداول شفهياً ويتم تداولها كما تتداول الإشاعات والأخبار الخاطئة والفضائح، هي جزء من الحديث الذي لا يدوّن من أحاديث المجتمع. غير أن قبول الحمصيين لهذه الظاهرة وتصالحهم معها هو ما لفت نظري.
قال أبو عبد الله غفر الله له: كنتُ تحدثت عن أن الضحك والابتسامة ونشر روح النكتة هي علاجات الحياة؛ وأن الإغراق في القضايا الكبرى يملّ منه الإنسان أحياناً، فيحتاج إلى الترويح بعد طول عمل، وإلى الضحك بعد طول غضب.
عالم النكتة هو الفضاء الرحب الذي نحتاج إلى التصالح معه، لئلا تتحول حياتنا إلى مجموعة من الكوابيس الزرقاء.