الورق ـ بأنواعه ـ هو الغذاء المفضل لـ"فقمة البيروقراطية"، ولهذا يحرص مسمِّنوها في كل دوائرنا، ومربعاتنا، ومستطيلاتنا الرسمية، وغير الرسمية، على استيراد أجود أنواعه وأغلاها، مهما بلغت الأزمات الاقتصادية، بكمياتٍ وفيرةٍ، تثير غيرة "مزاين الإبل"، وحسد "أصائل الخيل"، وحقد مدللات "البقر" الدنماركيات، وانفقاع مرارات "نهائق الحمير"، رغم شهرتها الصاروخية، بعد اختيارها لغلاف مقرر الرياضيات المطوَّر!
ومنذ أربعين عاماً، يتعاقب على "تفقيمها" جيوش من الموظفين برتبٍ مختلفة، يصل أعلاها من يستميت لتدليل "فقمته" أكثر، بإنفاق أكبر كمية من "الورق"، بأنواعه برضو! وقد أدى هذا التنافس التاريخي إلى بروز مواهب، وكفاءات، لا مثيل لها في العالم، ما يجعلنا نشجب، وندين، ونستنكر بشدةٍ أشد من تشديد "وزارة التربية والتعليم" في البحث عن "طول سلامة": إغفال القائمين على جائزة "نوبل" تلك المنجزات "البيروقراطية"، التي لو جاء بها "خواجة" لغير وجه الدنيا و"قفاها"، ولأقاموا له التماثيل، وأطلقوا اسمه على كل الطرق المؤدية إلى "روما"! فبالله عليكنكم: من يستحق "نوبل" أكثر من الذي يشغِّل مصانع "الملف العلاَّقي الأخضر"؟ وكم بيتاً فتحته ومازالت تفتحه هذه المصانع؟ وكم أسرةً تعيلها؟ وهل يمكنكنكم تخيل النهضة الصناعية العملاقة، التي أدى إليها إنتاج الملف العلاقي الأخضر؟ فهو الذي أدى إلى إنشاء مصانع الإكسسوارات المعدنية لتزويده بـ"شبَّاصات الورق"، والمعلاق الأنيق، ثم تصميم الدواليب الحديدية، والخشبية، و"الخشيدية" لتعليقه عليها! ناهيكنكم عن "الخرامات"، و"الدباسات"، و"الدبابيس"؛ اسم الله علينا من "شكها"! وهو الذي أدى إلى إنشاء الآلاف من مصانع الأصباغ، حتى توصلت إلى هذا اللون المناسب لأحاسيس "فقمتنا" الوطنية!
كل هذه الصناعات من "الدبوس" إلى المنتجات البترولية البتروكيمائية إنما وجدت لتوفير نوع واحدٍ من الورق هو:"الملف العلاقي الأخضر"/ الوجبة الرئيسية للفقمة البيروقراطية، فماذا عن بقية مكونات "البوفيه المفتوح"، كـ"أبواك" الخطابات الموجهة لأصحاب المعالي، والخطابات الموجهة لأصحاب السعادة، والخطابات الموجهة للمكرمين رؤساء الأقسام؟! وماذا عن ورق محاضر الاجتماعات التي برئاسة معاليه، والتي برئاسة سعادته، والتي برئاسة المكرمين؟ وماذا عن تقرير اللجنة المشكلة بأمر من معاليه، والمشكلة بـ"مضارع" من سعادته، والمشكلة بـ"ماضٍ" من المكرمين؟ وماذا عن "العقود" المرفوعة إلى معاليه، "المنصوبة" من سعادته، "المخفوضة" من المكرمين؟ وماذا عن شيكات رواتب معاليهم، وانتدابات سعادتهم، وخارج دوام المكرمين؟ و.. كفى.. لاتزعجوا "الفقاقيم"؛ فقد "بَشِمْنَ وماتفنى العناقيد"!