ارتكبت مخالفة مرورية غير مقصودة في أحد شوارع ديترويت الأمريكية أثناء سنوات الدراسة. ورغم بساطة المخالفة وقدمها لكنها غنية بالدروس. وأذكرها هنا بمناسبة بدء تشغيل نظام ساهر لكي تستفيد منها أجهزة المرور في حفظ حق المواطن في الاعتراض على المخالفات المرورية ومن ثم التظلم والتقاضي إذا شعر بغبن. أوقفني البوليس بحجة الخروج عن الخط (driving off shoulder) وعندما أخبرته أني كنت أحاول تجنب الاصطدام بالسيارة التي أمامي، أعطاني (حرية الاختيار) بين تسجيل الغرامة وبين التقاضي في المحكمة! فأجبته، بل إلى المحكمة. بعد عدة أيام أخطرتني المحكمة بموعد الجلسة، فاعتذرت وطلبت التأجيل. فوافقت المحكمة وعينت موعداً آخر، لكنه لم يناسبني أيضاً لأني كنت على سفر لقضاء الصيف في بلدي. لم أنتظر رد المحكمة لأني كنت مدركاً أنها تعرف حقوقي. وعندما عدت من السفر وجدت في البريد رسالة من المحكمة بالموافقة على التأجيل وتعيين موعد جديد. فذهبت إلى المحكمة في ذلك الموعد وأنا أردد بدهشة (معقـول!) لكن ما وجدته في المحكمة تجاوز حدود الدهشة.
وجدت في قاعة المحكمة البوليس ينتظر دوره، فسألت نفسي: لماذا تحمل المشقة.. أما كان للقاضي أن يصدق تقريره؟ لم ينظر إليّ رجل الأمن بغضب، بل عاملني باحترام وخاطب القاضي قائلاً: إن هذا السيد خرج عن خط السير وادّعى أنه تجنب التصادم. وعندما جاء دوري قلت للقاضي لم آت لأسقط الغرامة ولكن لأبين أن الخطأ كان على غير عمد.. وكرهت أن أغادر هذا البلد وفي سجلي مخالفة غير مقصودة. قدر القاضي سلامة نيتي وقال بلطف الخطأ واضح.. ولا تقلق من مخالفة واحدة وبسيطة لن تؤثر على سجلك.
من البديهي أن نستفيد من هذه المحاكمة المرورية المطبق مثلها في معظم الدول.. فهي تضمن حق التقاضي. فهناك لا يقال للسائق (ادفع أولاً) ثم اشتكِ. بل تقول له اعترض ولن تتضاعف عليك قيمة المخالفة. المواطنون هنا أيضاً ليسوا ضد فكرة نظام ساهر، بل هم يؤيدونه بدون تردد إذا كان سيؤدي إلى وقف نزيف الحوادث المتزايد في شوارعنا. لذلك فهم يطالبون بتوفير آلية للاعتراض على المخالفات المرورية قبل سدادها.. ويطالبون عدم تحميلهم قيمة مخالفات السائقين العاملين لديهم عند هروبهم.