أصبحت الثقافة الاستهلاكية مسيطرة على كافة مناحي حياتنا، وديدنها هو تحويل الفرد إلى كائن شره لا يشبع من العبّ من المنتجات الجديدة ، وما إن تظهر نسخة محدّثة من منتج ما إلا ويتم تطليق السابق والاستغناء عنه ، حتى يصبح الإنسان عبدا للمنتج ، بدلا من أن يكون المنتج وسيلة لتحقيق الفائدة والنفع له! وهذه الثقافة الاستهلاكية صارت أيضا سمة من سمات الإعلام الفضائي بشقيه الديني والترفيهي، وما عليك إلا أن تطالع إعلانات البرامج في الصحف قبيل شهر رمضان - الذي يتحول إلى شهر الاستهلاك بكافة أشكاله - لترى صور "الدعاة النجوم" جنبا إلى جنب مع صور نجوم المسلسلات! وكما تستحثك الدعاية على ابتلاع أكبر عدد من المسلسلات الرمضانية، تستحثك أيضا على التهام أكبر عدد من البرامج الدينية، ليتقلب المشاهد ما بين طرفين يبدوان متنافرين متوازيين لا يتقاطعان، بينما هما يشتركان في الكثير من الملامح والصفات! فالنمط الاستهلاكي التسطيحي الذي تقدم به البرامج الترفيهية هو ذاته الذي تقدم به البرامج الدينية، والعقلية الإعلامية المنتجة لبرامج الهلس والتسطيح هي ذاتها التي تنتج البرامج الدينية فتقدم  ـ إلا ما رحم ربي ـ مفهوما مسطحا للدين يهتم بالشكلانية ويلح على التفاصيل، ويهمل جوهر الدين ، واسمع الفتاوى في هذه البرامج لتشاهد العجب العجاب. الوسائل المستخدمة في استقطاب المتلقي وجذبه للبرامج تتناسخ على الجانبين، وتيمنا بأسلمة الأدب تمت أسلمة برامج الواقع واستنساخ أفكارها ووضعها في قالب إسلامي عصري جديد. وكما تستهدفك في جوالك أحدث نغمات الأغاني، تُقدم لك الأدعية والقرآن الكريم بأصوات مشاهير القراء كنغمات للرنين أو كخدمات صدى ! وهكذا تمتهن تلك الأدعية والآيات بوضعها كخلفية سمعية ، سواء كان المتلقي مستعدا لسماعها والإنصات إليها، أم في ظروف ومكان لا يتيح  له حسن الاستماع!
والحقيقة أن كل من قنوات التسطيح الترفيهي والتسطيح الديني صنيعة للآخر، فلولا وجود التيار الداعي إلى ماضوية ترفض العصر وتنفر من مواكبته مع استحالة خروجها من حدوده الزمنية، لما وجد التيار الآخر الهارب من أي رابط يشده إلى الدين أو يربطه بتعاليمه، وفي أحيان كثيرة يتقلب الفرد نفسه بين هذين التيارين المتعاكسين ليصبح ردة فعل تناهض ما كانت تتبناه بالأمس! وبداية ونهاية تعتمد تلك البرامج المتنافرة ظاهرا والمتلاقية باطنا على ثقافة الاستهلاك والفرقعات النجومية، والنجم المشتعل اليوم يفقد وهجه غدا، فها هي المسلسلات التركية تفقد بريقها الأول، كما فقدت المكسيكية وهجها! وتتساقط أوراق النجومية عن بعض الوعاظ والدعاة ويفقدون بريقهم بعد أن تحرقهم كثرة الظهور وتعدد الأخطاء  ليحل مكانهم آخرون، وسلم لي على الاستهلاك وثقافته!