كنت أتحدث مع صديق لي يعمل في شركة طيران عربية ومقر عمله دبي. قلت له لماذا لا تلتحق بطيران الإمارات؟ هذه الشركة التي تنمو يومياً وأصبحت تحدد المواصفات العالمية في الجودة؟ قال لي بتخوف: يا أخي هم "يكرفون" موظفيهم "كرف". يقصد أن العمل في تلك الشركة متعب وشاق.

ربطت إجابته بعد قراءتي للإعلان الصادر قبل أيام لنتائج السنة المالية المنتهية في مارس 2010م لطيران الإمارات إذ بلغت أرباحها الصافية 946 مليون دولار أمريكي. هذا الرقم أعلى من السنة السابقة بنسبة تفوق 480%. أحد الأسباب بالطبع هو تدني كلفة البترول في الفترة مقارنة بالفترة السابقة. لكن هناك أسباب أخرى هامة ومفصلية سآتي عليها.

هذه النتائج دفعت بطيران الإمارات إلى المرتبة السادسة لأفضل شركة طيران في العالم من حيث صافي الأرباح السنوية، طبقاً لتقرير "ويرلد إيرلاين ريبورت" الذي يرصد أداء قطاع الطيران العالمي. كما جاءت الشركة في المركز الثامن عالمياً من حيث العائد على كيلومترات المسافرين، متقدمة على شركات طيران عالمية عريقة مثل "يو إس إيرويز" والخطوط الجوية اليابانية والخطوط السنغافورية وطيران هونغ كونغ "كاثي باسيفيك"، حسبما ذكرت صحيفة الخليج الإماراتية. السؤال إذاً كيف نمت أرباح هذه الشركة بهذه السرعة وفي زمن يئن تحت وطأة الأزمة المالية العالمية؟




الجواب أن هذا الإنجاز لم يأت من فراغ بل بعد تطبيق واضح وصارم لاستراتيجية عمل طموحة. فشركة طيران الإمارات التي لم تتأسس إلا في عام 1985م بطائرتين واحدة صغيرة والأخرى كبيرة أصبحت اليوم أكبر مشغل في العالم لطائرات البوينغ 777 متجاوزة شركات أمريكية أقرب منها إلى مدينة سياتل معقل صناعة طائرات البوينج في الولايات المتحدة. طيران الإمارات تمتلك أكبر عدد من الطائرات عريضة الهيكل من طراز"إيرباص 380"، الأمر الذي سيضمن لها حضورها في سوق الطيران العالمي مستقبلاً. بمعنى أنها لم تتوقف عن حجز الطائرات الجديدة بانتظار الطلب على المقاعد أو بانتظار وقوع أزمة كما هي الحال مع بعض خطوط الطيران الأخرى. للمقارنة فقط يمكن لأي مهتم أن يقارن أرقام الأرباح لبعض الشركات العالمية مع هذه الشركة لتوضيح الصورة.

الذي رغبت في الإشارة إليه أيضاً أن هذا النجاح عندما يحدث لا يقتصر على شركة الطائرات فقط. إنه يمتد ليلامس الأرض.. يلامس المطار ومؤسسة الطيران المدني ويلامس العقارات والفنادق وخدمات الضيافة والنقل الأرضي والأنشطة الأخرى التي تتواجد بها شركة كهذه. وجود هذا العدد من الرحلات اليومية المريحة والمنضبطة في مواعيدها يعود إلى المكان الذي تعمل فيه بالخير الوفير ويولد فرص عمل كبيرة لا يستهان بها خارج منظومة الطائرات ورحلاتها. يكفينا أن نعرف اليوم أن مؤسسة الطيران المدني هناك وهي مؤسسة حكومية تابعة لإمارة دبي قد وقعت عقود تشغيل لإدارة ثلاثة مطارات عالمية في أوروبا وآسيا وكان الشرط الأهم في هذا التعاقد هو نقل الخدمة النوعية إلى تلك المطارات.

هل تعلمون ماذا لاحظت عند توقفي في مطار فرانكفورت قبل أسبوع؟ لاحظت أنهم يشغلون مبنى جديدا لركاب الدرجة الأولى في غاية الراحة والفخامة.

هذه الفكرة أتت بعد افتتاح المبنى الثالث في مطار دبي قبل عام والذي يضم أكبر صالة خاصة لركاب الدرجة الأولى في العالم. في تلك الصالة أنت الضيف وكل شيء أمامك يقدم مجاناً. مطاعم خمس نجوم وصوالين حلاقة ورعاية للبشرة وأماكن تدليك ومتاجر فخمة ووسائل نقل داخل المبنى للمحتاجين وغير ذلك الكثير من الأفكار التنافسية الكبيرة. لم يكتفوا بمجرد صالة صغيرة كما نشاهد في مطاراتنا على سبيل المثال.

هذا ما أجبر شركة لوفتهانزا الألمانية على تطوير الأداء لديها وأين؟ في مدنها الرئيسية كمطار فرانكفورت. أنا لا أعلم ماذا يحدث في مطارات سنغافورة ولوس أنجلس ولندن لكنني على قناعة شبه تامة أنهم يشعرون بحمى المنافسة وأنهم في موقع لن يسمح لهم بتناسي أو تجاهل هذه التطورات. يذكر أن الصالة الرابعة في مطار دبي هي تحت الإنشاء هذه الأيام وتقع بجوار المبنى الثالث وتعتبر رابع توسعة لهذا المطار في أقل من عقدين فقط.

إنها قصة مثيرة في حقيقة الأمر وتغطيتها بهذه العجالة يعتبر إنقاصاً لها. الذي لا بد من لفت الأنظار إليه أننا في المملكة أصبحنا بعيدين بمسافات طويلة عن هذه المستويات. وحتى يتحقق لناقلنا الوطني ومطاراتنا الكبيرة المكان المرموق الذي كنا نتبوءه في الماضي، علينا إعادة النظر بشكل جذري وشامل لخططنا. لا يكفي شراء عدد من الطائرات معظمها صغير الحجم. نحن بحاجة إلى تطوير المهنية وإلى الدقة في رفع مستويات الخدمة. نحتاج إلى الاستفادة من تجارب الآخرين بعد أن أصبحت ماثلة أمامنا. إذا كان الألمان واليابانيون لا يرون غضاضة في الاستفادة مما حدث في مطار دبي فما الذي يمنعنا. في نهاية المطاف نحن أمام تحديات كبيرة في هذه الصناعة واختصار الطريق سيوفر علينا الكثير من المال والجهد بدلاً من محاولة إعادة اختراع العجلة. دعونا نحاول البدء من النقطة التي يتوقف عندها الآخرون لا أن نبدأ من حيث بدؤوا قبل خمسة وعشرين عاماً. المنافسة لا ترحم والبقاء لن يكون إلا للأذكياء المبدعين. لو كان المقال يتسع للمزيد لتناولت الثورة التي تقع هذه الأيام في الخطوط القطرية وما تخطط له مستقبلاً. لكن لا بأس فقد يسعفنا الوقت لتناول هذه المؤسسة واستعراض منجزاتها وإلقاء الأضواء على خططها قريباً.