"الارتباط بالأرض والتراب هو نمط حياة تعيشه، ولا يقتصر على الفن فقط، حب الأرض بكل ما تملك من ذراتها وحجارتها واستنشاق رائحة المطر بأول عناقه لها، هو انتظار ريعان الزعتر وعبق الخزامى، أسلوب الحياة هذا ينساب في قلبها، وتترجمه العقول بأفكار فنية غير مقصودة، وإنما موجودة في العقل الباطن، يتشكل من عدة رواسب ثقافية اجتماعية، وذكريات طفولة ملهمة"، جمل تعبيرية استوحتها أعمال النحاتة الفلسطينية رانية عقل.
تصف رانية عقل مرسمها "بالمختبر البيئي" الذي يفتقر كثيرا للألوان المصنعة، من خلال تعاملها مع المواد بشكل دائم، معتمدة على ألوان الطبيعة بجمال بساطتها، كما أن التراب يشكل حيزا مهما في ذاكرتها وهو سبب إلهامها، فأسلوبها يعتمد على شقين: فني وفكري، من الناحية الفنية يبدو التعامل مع المادة كاللعب، غير أنه لعب يستمد قوته من التركيز والتأمل والانشغال بما هو إنساني كوني، واستحضار كل الرموز والمكونات، لتشكيل حياة أخرى تعتمد على مقومات روحية.
وترى رانية أن للون فلسفة نفسية تدرك ماهية الألوان ويتحول الإحساس إلى إدراك ثم إلى فهم ومشاعر، الكثير من المفكرين والرسامين تعاملوا في فلسفة اللون، وإنها تؤمن أن لكل فنان وعيه الفلسفي الخارج عن المألوف، ويمكن القول إن الألوان قد تمردت على دلالاتها حيث يستطيع الفنان خلق دلالات جديدة.
وعن أعمالها النحتية، تقول: إن العمل النحتي حالة خاصة، حيث لم تشعر يوما أنها تتعامل مع عمل عملاق أو صلب، هنالك انسجام ومتعة في محاورة الصخر، رغم صلابته، هذه الصخور التي عاشت الآف السنين، تتيح لك ملامسة أعماقها التاريخية والطبيعية في محاولة الكشف عن أسرارها، وإعادة تقديمها للمتلقي في أسلوب يتميز بالجمالية والرقة والدفء.
وتنشد رانية عقل للحجر الجليلي، في سحر طبيعته الخلابة، مما يضعها في مأزق لذيذ، وخاص لتتلاشى أسس التدريس النحتي وتتطاير معه أوراق "السكتشات" ويكون عملا عفويا انسيابيا، متناغما مع طبيعته البكر، مضيفة أن التعامل مع الحجر كخامة مصنعة يكون أسهل لتنفيذ تخطيط مسبق، فأعمالها النحتية ذات رموز ودلالات، تتونع بين الشكل الحلزوني ويرافقها في أغلب أعمالها حب للمخلوق البسيط، الذي يحمل بيته على ظهره، متمسكا به، ومتحديا الطبيعة والجغرافية والزمـن، دون تنازل، معتبرة أن أبرز أعمالها هي شجرة الزيتون التي أنتجتها في ورشة المحطة الدولية "بير زيت"، ليس يوصفها خامة فنية، بل مسيرة خاصة من نسج أحداثها.
وعن قلة النقد ذكرت رانية "لن أقول لك بالناقد هو مشروع فنان فاشل"، لكن عملية استجلاء النقد تتطلب ممارسة وقراءة وتجربة أكثر، وتكوين فني بالقراءة واستمرارية البحث عن المضامين الفكرية والفنية، وبهذا يكون الناقد فنانا زائد الخبرة البصرية والمخزون القراءاتي.
وأردفت: أن النقد الفني ليس موضع اهتمام الصحف والمجلات، فالصحفي يهتم بتغطية أخبار افتتاح المعارض الفنية، إضافة إلى قلة القراء وانعدام الوعي الجماعي بضرورة بلورة النقد والرقي به إلى مستوى أهم من خلال فتح مسالك نقدية في الكليات تهتم بالفن والنقد بصفة خاصة.