مال إلي جاري في المسجد وقال: يا أخي هذه محاضرة وليست خطبة جمعة، أشرت إليه بيدي أن دعنا ننصت وفيما بعد نتحدث، كان الإمام يرتجل خطبته ويطوف في آفاق مواصفات الفرقة الناجية ويسهب في مديحها حتى خلص بعد وقت ليس بالقصير إلى أنها تلك الفرقة التي تعيش كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعيشون، متسائلا هل هذه صعبة، يقصد أن نعيش كما كان أولئك في عصر صدر النبوة يعيشون، ومؤكدا أن من لم يستطع فهو ضمن الاثنتين وسبعين فرقة الأخرى الضالة حتى وإن قالوا بالشهادتين وصاموا وصلوا ...إلخ، طالت الخطبة الأولى في هذا الموضوع الشائك الذي استدعى ضرب أمثلة لتصرفات وممارسات يعتبرها البعض بدعا لأن النبي والصحابة لم يفعلوها، أما الثانية فكانت مختصرة جدا وكأن الإمام أراد تدارك طول الأولى فاقتصر على تنبيه المصلين إلى موعد التطعيم ضد شلل الأطفال في مستوصف الحي ثم انتقل إلى الدعاء المألوف مختتما الخطبة، وما أن فرغ من الصلاة حتى قام داعية آخر واستطرد في الحديث عن الفرقة الناجية تعليقا على خطبة الإمام لكنني انصرفت قبل أن يتم حديثه الذي توقعت أن يطول.

بحثت عن ذلك الرجل الذي تحدث معي أثناء الخطبة فلم أجده إذ تغيرت مواقعنا عند إقامة الصلاة، لكني وجدته ينتظرني عند باب الخروج فبادرني معتذرا أنه تحدث معي أثناء الخطبة وهو لا يعرفني مضيفا: لكنني مللت يا أخي فتحدثت إليك دون تحفظ.

قلت: لا عليك فلماذا الملل؟ قال: لأن هكذا موضوع مكانه قاعة محاضرات تتم مناقشته بين متخصصين لا منبر مسجد ينتظر منه المصلون أن يحدثهم عن مشاكل حياتهم التي يعرفونها ويحتاجون من يعالجها بوعي ووضوح وأمل، لا من يغلق أمامهم أبواب الرجاء والرحمة لأنهم ليسوا كالصحابة، وهل يمكن أن نكون مثل أولئك؟ قلت: أحترم وجهة نظرك لكن هناك بالتأكيد من يرى غير ما ترى ثم ماذا تريدني أن أفعل؟ قال: مثلي.




قلت وماذا فعلت؟ قال: سأنتظر الإمام إلى أن يخرج وأبلغه بوجهة نظري هذه. قلت: لك هذا أما أنا...فقاطعني ضاحكا: أما أنت فالغداء ينتظرك. قلت: صدقت وتركته ينتظر الإمام.