من حق الشعوب أن تفخر بأوطانها حتى وإن كانت أفقر بلاد العالم فالوطن هو القلب النابض في جسم كل ابن من أبنائه ومن حق الشعوب أن تفخر بقادة أوطانها عندما يكون قلبهم على أبناء وطنهم ورغم كل ما يقال أحياناً عن الأوطان وقياداتها إلا أن من يجرب العيشة في غير وطنه حتى وإن كانت أجمل بلاد العالم يظل عشقه لوطنه بكل مآسيه وظروفه الصعبة عشقاً لا يوازيه عشق الجمال والطبيعة في غيرها، وهي حقيقة وليست نسجاً من الخيال وهي حقيقة لامستها شخصياً وأنا أحد أولئك الذين يجوبون الأوطان كل ثلث شهر وأكثر ما يسعدني في سفري هو اعتزازي بمشاريع بلادي التنموية في العديد من الدول النامية والغنية، وأكبر ما يزيدني فخراً بوطني وقيادته عندما أرى موقع المملكة السياسي والاقتصادي ضمن مجموعة الكبار من دول العالم المتقدم صانعي القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في العالم وهو موقع لم توضع فيه المملكة لكونها دولة منتجة ومصدرة للبترول فقط وإنما قائمة طويلة من المعايير والأسس واللوائح الدولية انطبقت على المملكة وعلى أساسها تم اختيارها لتكون ضمن مجموعة العشرين وهي عشرين دولة متقدمة في العالم شكلت مجموعة تشاورية لرسم سياسة العالم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واختيار المملكة عضواً في هذه المجموعة هو فخر لنا أبناء هذا الوطن ولم يكن هذا لولا حسن القيادة الرشيدة في إدارة شؤون الحكم وحسن التصرف في إيراداته لتساهم في تنمية البلاد في الداخل وترفع اسمها في الخارج وانعكاس ذلك على المواطنين إيجاباً في مختلف القطاعات الاجتماعية والتعليمية والصحية. إن تميز السياسة الخارجية للمملكة وضعها ضمن أهم الدول صناعة للقرار السياسي في العالم وجنّبها العديد من الكوارث السياسية الخارجية.

إن ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو نتيجة مشاركاتي خلال الأسابيع الماضية في بعض الاجتماعات الدولية الأولى كانت في العاصمة الأمريكية (واشنطن) ضمن مجموعة من أصحاب الأعمال أعضاء مجلس إدارة منظمة العمل الدولية المنتمين إلى دول مجموعة العشرين في اجتماع تشاوري مع وزراء العمل في دول العشرين، ورؤساء الاتحادات العمالية في دول العشرين بمقر وزارة العمل الأمريكية تناول أطراف النقاش الإنتاج وآثار الأزمة المالية العالمية على المشاريع الاقتصادية وتشغيل العمال. وعرضت الدول الصناعية الكبرى خططها ومشاريعها في الخروج من الأزمة. وتميز عرض نائب وزير العمل السعودي الزميل الدكتور عبدالواحد الحميد عن دور الحكومة السعودية وبعض خططها التنموية لتحجيم الآثار السلبية للأزمة وتخفيض نسب البطالة عن طريق زيادة التشغيل المعتمد على التحول التدريجي في الإحلال الوظيفي وتشجيع العمل للحساب الخاص وخلق فرص عمل عن طريق المشاريع التنموية التي قرر خادم الحرمين الشريفين تخصيص خمسمئة بليون دولار في السنوات الخمس القادمة تصرف في مشاريع تنموية في البلاد. وكان لمداخلة نائب وزير العمل السعودي صدى كبير لدى الجميع وتداخلت قائلاً إن من كان السبب في إحداث هذه الأزمة المالية العالمية وأقصد (الولايات المتحدة الأمريكية ) عليه واجب كبير في دعم ومساعدة الدول الفقيرة والنامية التي تأثرت أكثر نتيجة هشاشة اقتصادها وضعف إدارتها وارتفاع نسب البطالة والفقر فيها، وقلت على الإدارة الأمريكية السرعة في معالجة أزمتها المالية داخلياً لأن الاقتصاد الأمريكي إذا تعافى تعافت معه بقية الاقتصادات العالمية المرتبطة به وهذا يدفعني للإدلاء بنصيحتي لبقية دول العالم بتخفيف الارتباط الاقتصادي بدولة واحدة وتنويع الارتباط بدول عديدة مثل الصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي والهند وغيرها من الدول الصناعية الكبرى.

انتهى الحوار التشاوري في واشنطن وكنت ومازلت فخوراً بالمملكة وقيادتها التي وضعت بلادنا ضمن صناع القرار في العالم وهو جهد قد لا يعلمه أو يقدره البعض إلا أنها مجهودات ضخمة قادها الملك عبدالله للوصول إليها ومن حقنا أن نفخر بها. أما الزيارة الثانية فكانت الخميس الماضي لجامعة الأخوين في المملكة المغربية في منطقة (أفران) مع فريق علمي لدراسة إمكانية التعاون العلمي مع الجامعة في مجالات علمية مختلفة، وبعد زيارة استطلاعية لمعظم مرافق الجامعة وتجهيزاتها وبعد الاجتماع مع سعادة عميد كلية الهندسة وبعض الأساتذة الدكاترة وبعد الاستماع إلى شرح تفصيلي عن الجامعة ومستواها العلمي ومستوى خريجيها وارتباطها العلمي بجامعات عالمية وبعد الاطلاع على نسب تشغيل خريجيها في القطاع الخاص باعتبارها الجامعة الوحيدة التي تستخدم اللغة الإنجليزية في دراستها العلمية، نموذج مشرف ومتقدم للجامعات العربية المتقدمة التي ستحصل قريباً على شهادة الاعتماد الأكاديمي الدولي بعد خمسة عشر عاما من إنشائها. سألت العميد عن تكلفة تأسيس هذه الجامعة فقال لي إن جامعة الأخوين أنشئت بمساهمة مالية مقدارها خمسون مليون دولار قدمتها حكومة المملكة العربية السعودية في عهد المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبدالعزيز وسميت بالأخوين رمزاً للأخوة بين خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز والملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما. مساهمة في مكانها لبناء صرح علمي على أرفع المستويات وباللغة الإنجليزية وسط بلد الثقافة الفرنسية التي توغلت فيها منذ عهد الاستعمار.




وهنا تساءلت كيف أن خمسين مليون دولار تبني جامعة متميزة في العلم والبحث العلمي قدمت المملكة المال وقدمت حكومة المغرب الرجال المخلصين كما قدمت الأرض هدية خاصة من ملك المغرب على مساحة سبعمئة ألف متر لم يدع أحد ملكيتها أو يطالب بتعويضها، وقدمت بعض الجهات الداعمة المساندة العلمية والبشرية وأصبحت جامعة تنافس الجامعات العربية التي تجاوز عمرها الخمسين عاماً وصرف عليها آلاف الملايين وما زالت تعاني من ضعف جودة التعليم ومخرجاتها.

نعم لقد صرفنا على جامعاتنا السعودية آلاف الملايين نصفها وأكثر في البناء الحديث والتجهيزات والابتعاث ولكنها مازالت دون مستوى الطموح رغم دعم وزارة التعليم العالي المستمر.

قضية دائماً مطروحة للحوار كيف تصرف مئات الآلاف من الملايين على مشاريع تنفذ في دول أخرى بعُشر التكاليف؟ وهل السبب هو مبالغة المقاولين في تقدير التكاليف أم إسراف المصممين والمهندسين أم متطلبات عالية في المواصفات والمقاييس؟ وبدون الدخول في الإجابة وددت فقط بهذا الطرح أن أشيد بدور المملكة في دعم العمل والتعليم في جميع أنحاء العالم والنماذج عديدة وكم أنا فخور بهذه الأعمال التي ترفع رأس السعوديين في مختلف أنحاء العالم حتى وإن كانت الأولوية للمشاريع التنموية في بلادنا.