الكثير من الشركات الكبرى، ومنها أرامكو السعودية تلجأ إلى شراء سنوات من خدمة موظفين يعملون لديها بهدف تسريحهم بإحسان واحترام عبر تقاعد مبكر يُمنحون إياه قبل بلوغ السنّ النظامية للتقاعد. التسريح محترم، والأسلوب محترم، والعائد مُرضٍ للمسرَّح، على الرغم من أن كلّ إجراءات تسريحه وراءها رغبة قوية وجادة في التخلّص منه، لأنه أصبح عبئا على المنشأة، أو فائضا عن حاجتها من الموارد البشرية. هذه الطريقة من "التخلّص" ابتكار أمريكي في الأصل.

ولجوء شركة بوزن أرامكو السعودية إلى شراء سنوات متبقية من خدمة بعض الموظفين الإداريين أو الكتبة فيها فيه فائدة للشركة أولا وأخيرا كونه يساعد كثيرا في الحد من التضخم الوظيفي، ويخدم شركات أخرى من خلال ما يسمى

"out sources" في تقديم العمالة للشركات وفي مقدمتها أرامكو نفسها. وعادة ما يقدم المقاول العمالة للشركات برواتب أقل بكثير من مثيلاتها من العمالة الرسمية، وهذا يعني أن المستفيد دائما هو المقاول. لجوء أرامكو إلى المقاولين لتأمين العمالة والموظفين أفقد سوق العمل السعودية الكثير من المهن التي كانت سائدة في السابق. حيث كنا نجد النجار السعودي والحداد والخباز والطباخ والمزارع، وكلها كانت متوفرة وبكثرة لأنها كانت تشعر بالأمان الوظيفي وتوفر التأمين الصحي. وهذه ميزات كانت أرامكو تؤمنها للعاملين فيها. ولم يكن غريبا أن تدخل مطعما لأرامكو وتشاهد طاهيا سعوديا أو نادلا. لأن أرامكو استثمرت في هؤلاء استثمارا حقيقيا.




أما اليوم وحسب الإحصاءات المتوفرة فإن أكثر من مئة وعشرين ألف موظف يعملون لصالح أرامكو من خلال مقاولين آخرين، ويشكل السعوديون منهم 10% في أحسن الأحوال. وبالتالي فإن السبب الحقيقي وراء عزوف الشباب عن العمل من خلال المقاولين يعود إلى فقدان الأمان الوظيفي وشعورهم بالغبن من واقع الرواتب والحوافز التي يتقاضاها أمثالهم من موظفي أرامكو الرسميين. إن إسناد وظائف الشركات الكبرى إلى مقاولين أسهم كذلك في الإخلال بتركيبة المهن السائدة، وإحلال عمالة أجنبية أصبحت اليوم هي المهيمنة على سوق العمل، وتتقاضى الرواتب والمميزات المغرية من خلال مقاولي التوظيف ممن يقدمون خدماتهم لأرامكو وغيرها بسرعة وبأقل التكاليف، فيما يحصل المقاول على الكعكة الكبرى ويرمي الفتات للعاملين.