في ظل (الترويج) للإعلام الجديد وما يسمى (الصحافة الإلكترونية) لاحظت طغيان نبرة استعلاء غير مفهوم، تتبناه عديد (المواقع الإلكترونية) لحد محاولة التقليل (أحيانا عديدة) والاستهزاء بـ"الصحافة الورقية". المفارقة المدهشة - عندي - تكمن في الارتهان لآراء شخصية، لا دراسة علمية، وعدم الالتفات لقيمة أخلاقية تعتبر عمادا للمهنة الصحفية ألا وهي (عدم التجريح، عدم إعطاء معلومة غير سليمة أو دقيقة)، بل وفي ظل التغاضي عن القيم الإعلامية سواء المتفق عليها ضمناً كالصدقية، أو تلك المختلف حولها كالحياد والموضوعية، استمرت (المواقع الإكترونية) التي تتوسل (الصحافة) تتكاثر كالفطر، وبشكل مرعب، يتعارض كلية مع طبيعة المهنة، وبعضها ينحو منحى المنتديات متخذاً من (الصحافة الإلكترونية) شكلها فقط. وهنا تبدو مفارقة أخرى تتلخص في أن هذه المواقع تؤسس مادتها في أطر خفة وإثارة، على منتج الصحافة الورقية، سواء بملاحقة أحداثها وواقعها على نحو ما حدث مع خبر استقالة رئيس تحرير (الوطن)، أو الاتكاء على ما تنشره من مقالات كتابها، خاصة تلك ذات النفس الإشكالي أو التهييجي المثير للعواطف أيا كانت هذه العواطف التي تتداخل بين ما هو أيديولوجي، أو اجتماعي، أو صادم للنسق السكوني من الوعي والتفكير.
ويلفت أحد الخبثاء أو الظرفاء (لا أدري) إلى أن من لطائف ما يسميه (الحرب غير المعلنة بسفور) ما بين الصحافة الورقية والإعلام الجديد، أن جل من توجه وكرس وقته للإعلام الجديد هم من الذين غادروا الصحافة الورقية، أو ممن لم يجدوا لهم مكاناً فيها، ويرى أن ذلك يتجلى بوضوح أكثر في فن المقالة الصحفية، حيث الكتّاب (فئة الخمسة نجوم) المعتبرين والمحترمين لطهر الكلمة وشرفها ما زالوا يبدعون في الصحافة الورقية، ولا يتردد الإعلام الجديد في نقل نتاجهم سواء بالكامل أو إعادة إنتاجها في قوالب صحفية أخرى (غالبا خارج الشرط المهني) على شكل تقرير أو تعليق أحياناً، دونما أيما إضافة إليها.
وفي كل هذا يخلص صديقي إلى أن هذه الحرب الخفية التي تزداد مع نمو الوقت شراسة خاصة من طرف (الإعلام الجديد)، وإن كانت تحمل بين دوافعها محاولات الفوز بأكبر نصيب من كعكة الإعلان وإن على المدى البعيد، إلاّ أنها كانت ستبدو أكثر إثارة إيجابية إن ابتعدت عن الخطابات الطفولية، واتجهت نحو ابتكار خطابات إبداعية تعزز المنتج الصحفي عملياً، متخلصة من الادعاءات الجوفاء وعقلية الإلغاء والإقصاء التي أرهقت العقل العربي في مجالات كثيرة.
صديقي دائماً يشدد على تذكيري بما تلقيناه في الدرس الأكاديمي عن توقعات إلغاء السينما للإذاعة، ثم إلغاء التلفزيون للسينما، وإلغاء الفيديو للسينما. ولكنها كلها بقيت!.
فالمحتوى هو الرهان والفيصل لا الوسيلة.