لم تحتمل الطالبة الجامعية "هناء" الأنانية التي تطغى على إخوتها وأخواتها على حساب راحة والدتها، خاصة أثناء تناول الوجبات، فحسب قولها تكون الأم أثناء تناول الوجبة منزوية بعيدا تلبي رغبة هذا، وتحضر ما يلزم لذاك، دونما أية مراعاة منهم لمكوثها ساعات طوالا في المطبخ.

وتقول هناء: "أمي ضحت بعد وفاة والدي بكل حياتها من أجل تربيتي أنا وإخوتي، ومازالت تهدر الجهد والوقت لراحتنا، دونما أية مبالاة من جانب إخوتي".

وبصوت علت نبرته أضافت: "حتى ما يلزمها تؤجله إلى حين تلبية طلباتنا وتنسى ذاتها، حتى في الوجبات تنهمك في خدمتنا، وتقف على رؤوسنا من أجل تلبية طلبات إخوتي التي لا تنتهي، حتى إنها تنسى تناول الطعام معنا".

وتتابع قائلة، "في يوم من الأيام أصررت عليها أن نتقاسم الأدوار، وكنت أنا من ألبي طلبات الجميع على وجبة الغداء، ولكنني لم أستطع أن أتمالك أعصابي، وأنا أذهب هنا وهناك، إلى أن نظرت إلى والدتي والابتسامة ترتسم على وجهها، وكأنها تقول: لا أحد يتحمل الأبناء سوى الأم، وطلبت مني بهدوء الرجوع إلى مكاني لأشارك إخوتي في تناول الطعام".

وتستطرد هناء: "لم تكتف أمي فقط بتلبية رغبات أبنائها، بل تعدته إلى أبعد من ذلك، وهم أحفادها وأبناء وبنات أشقائها وشقيقاتها، خاصة في أيام العطل حيث يجتمع جميع أفراد العائلة".

تلك المشاهد تتكرر يوميا في كل أسرة، فتمتد تضحيات الأم إلى أن تطال مساحتها الشخصية، فهل تؤثر بشكل أو بآخر على صحة الأم النفسية؟ وماذا يحدث إذا كانت النتائج المرجوة من الأبناء عكس ما تتوقع؟ وهل يمكننا اعتبار تلك المشاهد اليومية أنانية من قبل الأبناء؟

حول تلك المشاهد قالت أخصائية التربية الأسرية بدرية الرمضان: "الأم كائن معطاء، وتبالغ في العطاء دونما أن تشعر بأن ذلك على حساب نفسها، وقد تنسى بمرور الوقت أولوياتها، وتقدم مصالح أبنائها على حساب تلبية رغباتها الشخصية، والأم عندما تمنح صغارها كل اهتمامها فإن هذا بحسب طبيعتها وحبها لهم، ولا يمكن أن تنتظر الأجر منهم، أو رد تلك التضحيات منهم مستقبلا".

وأكدت على ضرورة الموازنة في العطاء والتضحيات، خاصة إذا ما كان زوجها على قيد الحياة، وألا يكون الاهتمام المفرط بالأبناء على حساب راحة الزوج وبخسه حقه".

وتقول: "قبل أن تتزوج الفتاة يكون اهتمامها منصبا على ذاتها وينقص ذلك الاهتمام في حال زواجها، وينقسم على شخصين هي وزوجها، وبعد أن ترزق بمولودها الأول ينقسم ذلك الاهتمام على ثلاثة، وهكذا إلى أن تكبر العائلة، وتتقلص معها المساحة الشخصية للأم، إلى أن يصبح اهتمامها بنفسها في ذيل القائمة".

وتنصح الاختصاصية الأمهات بضرورة الموازنة في التضحيات وألا تكون على حساب نفسها.

في المقابل تقول التربوية فهدة الصخري: "قد تبالغ الأم في العطاء على حساب نفسها، وتنسى نفسها في سبيل القيام بمهامها، وتلبية رغبات الصغار التي لا تنتهي، ويكون ذلك على حساب راحتها الجسدية والنفسية، في المقابل لا أحد يعير انتباها إلى ذلك التفاني والعطاء، لتجد نفسها في النهاية محاسبة على أدنى تقصير يحصل منها، وهذا ما نلحظه في المشاهد اليومية المتكررة للعائلة، خاصة عند إعداد الطعام وتحضيره، فإذا ما نسيت أن تعد طبق الزوج المفضل، أو كان الطعام ينقصه بعض الملح، أو نسيت تحضير المقبلات نجد أن نظرات اللوم تلاحقها من مكان إلى آخر".

وتنصح الصخري الأم بتجنب الإفراط في خدمة الأبناء، وأن تدع لهم المجال ليعتمدوا على أنفسهم، وألا تفضل الجميع على حساب ذاتها خاصة أثناء تناول الطعام، فعليها أن تتصدر وزوجها المائدة، وتمنح الأبناء فرصا يومية للاعتماد على الذات.