تجرعت كل من القاهرة والخرطوم مرارة هجرهما لدول إفريقية كان يفترض أن تكون شقيقة قبل أن تتحول إلى جارة ثم إلى صديقة ثم إلى ما هو أبعد من ذلك.. وفيما كانت القاهرة تحتفي بخط ملاحي جديد يربطها بإيطاليا ويفتح تجارتها الخارجية على أوروبا، كانت دول حوض النيل الأخرى تحتفي باتفاقيتها الأخيرة الخاصة بالتحكم في مياه النيل. ورغم أن الخط الملاحي المصري الأوروبي هو إنجاز اقتصادي كبير يحسب للتجارة المصرية، تظل مسألة التراخي الإفريقي علامة حمراء ولا نقول سوداء في جبين الدبلوماسية المصرية.
قريبا من ذلك، كان الحضور الإفريقي طاغيا أمس في حفل تنصيب رئيس حكومة جنوب السودان سيلفاكير، فيما جاء الحضور العربي والمصري تحديدا متواضعا للغاية. لقد هجرنا إثيوبيا لفترات طويلة وكانت النتيجة أنها تتعامل الآن مع القاهرة وكأنها خصم كبير والحال نفسه مع دول أخرى وقعت اتفاقية الخصومة مع مصر والسودان.
إننا لا نستطيع الجزم بحضور السفير المصري في السودان وزملائه العرب من عدمه حفل التنصيب، فإن كانوا قد حضروا فهذا أضعف الإيمان وإن لم يكن حضروا فقد ترجموا الغياب العربي الحديث عن الساحة الإفريقية.
الآن وفي ظل الانقسام المتوقع للسودان ينبغي على كل من القاهرة والخرطوم وكل العواصم العربية الاهتمام قدر المستطاع بجنوب السودان وإلا فقدنا حصنا كبيرا وأهديناه لآخرين من خارج إفريقيا بل من خارج المنظومة الدولية!
إن عملا شاقا ينتظر مصر والسودان في الفترة المقبلة حتى تعود الأمور إلى مجاريها. صحيح أن أحدا لن يجرؤ على قطع مياه النيل لأن كثيرين يسعون الآن لقطع صلات الرحم والجيرة والصداقة، بحيث يكون الوجود المصري في إفريقيا مجرد تاريخ ويكون الوجود السوداني محض لجوء سياسي.