كل ابتكار تقني، يأتي بحمولة من التغييرات الثقافية التي يجب أن نوائم أنفسنا معها!
للشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد، رحمه الله، كتاب لطيف بعنوان: "آداب الهاتف"، تطرق فيه من ناحية شرعية وفقهية إلى آداب الهاتف. الكتاب طبع قبل أن يقبض المجتمع على هواتف الجوّال. أظن أننا نحتاج إلى أحاديث طويلة حول هذا الجهاز أدباً وسمتاً.
قبل أيام حضرت مؤتمراً في الرياض، كانت القاعة تضجّ بالجوالات المفتوحة. بأنواعٍ من النغمات بدءاً بأصوات الشعر النبطي وانتهاءً بأغنيات حديثة وقديمة، وأحياناً بصوت داع يقنت أو أذان يصدح. يرنّ الجوال ولا يكاد صاحبه يهتزّ له رمش، وبعد الرنّة السادسة والسابعة يخرجه من جيبه وينظر إليه بطرفة عين وهو يحكّ كرشه، ثم يعيده إلى جيبه الكبير من دون أن يحوّله إلى الصامت!
بعض الأحيان تتخيل وأنت في المسجد أو في بعض المؤتمرات والمحاضرات أنك في دبكة شعبية لشدة تصارع النغمات. لا أدري لماذا يصرّ البعض على وضع جواله في أعلى مستوى من مستويات الرنين وكأن الاتصالات التي تأتيه ضرورية لدرجة كبيرة، مع أن الاتصالات الضرورية نادرة جداً. حتى رؤساء الدول وكبار المسؤولين يضعون جوالاتهم جانباً وهم في الاجتماعات أو المناسبات.
الذي أحبّ أن ألفت إليه أن الحاضر في القاعة ليس سنترالاً للدفاع المدني أو الشرطة أو أمن الطرق أو مركز بلاغات الإسعاف في وزارة الصحة، وإنما هو ربّ أسرة أو موظف، أو مسؤول، الاتصالات التي ترد إليه ليست بلاغات عن حرائق، أو سرقات منازل، ولا عن انفجار أو عملية إرهابية. الاتصالات التي تردكم هي اتصالات عادية، إما ثرثرة أو أحاديث حول أعمال يمكن تأجيلها. لا أظنّ أن هناك ما يستحق أن يكون مثار إزعاج في المؤتمرات والاجتماعات، أو في المساجد وأماكن العبادة!
قال أبو عبدالله غفر الله له: مع تعدد التقنيات التي نستخدمها ما زلنا نحبس أنفسنا في طرق استخدام بدائية لا تراعي الآداب الضرورية التي يجب على الإنسان الالتزام بها. لم يبالغ الشيخ أبو زيد حينما دوّن كتيباً لطيفاً لتناول آداب الهاتف. وللإزعاج وجهٌ آخر، هناك من يتصل عليك مراراً من دون أن تعرفه، ويزعجك باتصالات كثيرة. بينما الأدب أن ترسل رسالة قبل الاتصال، هذه هي الأصول التي يجب أن تراعى في استخدام هذه النعمة لتكون وسيلة للعمل والتواصل لا وسيلة للإزعاج وقلة الأدب.