تحولت مدينة جعار في جنوب اليمن، إلى مدينة "وقار"، وباتت منشآت الحكومة مراكز تابعة لـ"أنصار الشريعة" التابع لتنظيم القاعدة، فرفعت الرايات السوداء على مداخلها بدلا من العلم الوطني، وباتت عناصر القاعدة تمارس الدور الذي يجب أن تقوم به الدولة وأجهزتها المختصة، خاصة في الجوانب المرتبطة بحياة الناس، من بينها القضاء.
واستغلت القاعدة بعد استيلائها على محافظة أبين انشغال النظام في صنعاء بمواجهة المحتجين المطالبين بإسقاطه، وأصدرت قوانين تتعلق بحياة المواطنين وتنسجم مـع تطلعاتها. فـأعلـنت أبين "إمارة"، و"وقار" ولاية، وأخـرجت باعـة سوق القات من وسطها، إلى أطرافها البعيدة عن المساكن والمتاجر، وأنشأت هيئة مختصة تشرف على السوق ترتب عملية البيع حتى لا تتواكب مع أوقات الصلاة، فيما يحتشد أمام مركز شرطة أنصار الشريعة في جعار عدد مـن المتقاضين، للفصل في قضايا ظلت عالقة في المحاكم منذ عـشرين عاماً تقـريباً، هي عمر دولة الوحـدة.
بدأ نفوذ تنظيم القاعدة يتعاظم مع مرور كل يوم في محافظة أبين، جنوب اليمن، وذلك بعد أشهر من الاستيلاء عليها في ظل انشغال النظام في صنعاء بمواجهة المحتجين المطالبين بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبدالله صالح، حيث سحب النظام معظم قواته الضاربة في المناطق الجنوبية من البلاد إلى صنعاء والمناطق، ما سمح لأنصار الشريعة الإسلامية، التابع لتنظيم القاعدة "بالسيطرة على مدينة زنجبار أواخر شهر مايو الماضي وإعلان ما صار يعرف بـ "إمارة أبين".
وعلى الرغم من حديث النظام عن "تطهير زنجبار" من القاعدة في شهر سبتمبر الماضي، بعد أيام قليلة من عودة الرئيس صالح من الرياض؛ حيث كان يتلقى العلاج من حروق بفعل الهجوم الذي استهدفه في جامع دار الرئاسية في شهر يونيو، إلا أن هذا "التطهير" لم يلمسه سكان زنجبار، الذين ظلوا لاجئين في أكثر من منطقة مجاورة لأبين، مثل عدن، ولحج وشبوة.
وبدا أن "الرايات السوداء" التي يرفعها أنصار الشريعة الإسلامية "هي التي صارت ترتفع اليوم عوضاً عن العلم الوطني، وصارت هي التي تحكم، وليس الدولة التي أضاعت هيبتها وسمعتها لصالح القاعدة وأعوانها.
وتبدو القاعدة هي من تدير شؤون الناس في زنجبار وجعار بمحافظة أبين، وفي ظل غياب لافت للدولة وأجهزتها، تقوم جماعة أنصار الشريعة بممارسة الدور الذي يجب أن تقوم به الدولة وأجهزتها المختصة، خاصة في الجوانب المرتبطة بحياة الناس، من بينها القضاء، الذي غيبه الفساد، حيث تركت الدولة المواطنين فريسة لأخطبوطه، الممتد من رأس الدولة وحتى أدنى حلقة إدارية فيه.
في الأيام الأخيرة قام أنصار الشريعة في مدينة جعار، التابعة لمحافظة أبين بإخراج باعة سوق القات من وسط المدينة إلى أطرافها البعيدة عن مساكن ومتاجر الناس، وهي خطوة أولية تهدف على ما يبدو، إلى إقناع الأهالي بترك شجرة القات.
وأوكلت الجماعة إلى هيئة مختصة تشرف على سوق القات وتعمل على ترتيب عملية الدخول وبيع القات في أوقات الصلاة من دون أي أعمال ابتزاز أو دفع ضرائب، كما هي الأسواق الأخرى.
ويباع في جعار أو "وقار"، وهي التسمية الجديدة التي أطلقتها الجماعة على المدينة، كثير من أنواع القات، أبرزه الضالعي، وتقول الجماعة إن عملية نقل سوق القات تهدف إلى التخلص من الزحمة في المدينة بسبب بيعه وشرائه في وقت الظهيرة. وجاءت هذه الخطوة ضمن عدد من الخطوات التي بدأت الجماعة في اتخاذها لمعالجة الأوضاع في زنجبار وجعار، وهما أهم منطقتين تسيطر عليهما الجماعة منذ أشهر، حيث شكلت الجماعة لجنة للخدمات من أنصارها، والتي قامت باستبدال أنابيب الصرف الصحي المخربة بفعل المواجهات الأخيرة. وفاجأ أنصار الشريعة أهالي جعار وزنجبار بإعادة ترتيب أمور القضاء بشكل أفضل مما كانت عليه الدولة، وحولت محاكم ومراكز شرطة إلى مراكز للفصل في قضايا الناس. ويحتشد أمام مركز شرطة أنصار الشريعة في جعار عدد من المتقاضين، ويقول الأهالي إنه تم فصل قضايا ظلت عالقة في المحاكم منذ عشرين عاماً تقريباً، هي عمر دولة الوحدة.ويتعامل المواطنون مع الأمور بنوع من الواقعية في ظل غياب دولة ارتأت الحفاظ على المركز وتركت الأطراف للجماعات المتطرفة، فقد سبقت القاعدة بمحافظة أبين، جماعة الحوثيين في إدارة شؤون الناس في محافظة صعدة، ولمس الناس حلولاً لأزماتهم لم تستطع أجهزة الدولة حلها على مدى عقود.
وينفي أنصار الشريعة ما يروجه بعض الصحف من منع بيعها في أبين، ويقولون إنهم رفضوا السماح بإدخال تلك الصحف التي تتناول قضايا لتدمير أخلاق الشباب وتهتم فقط بثقافة غشاء البكارة وبث الفكر الرافضي، حسب قولهم.
كما توقفت في منطقة جعار فعاليات الحراك الجنوبي كافة التي اعتاد الحراك إقامتها أسبوعياً خلال العامين الأخيرين، وذلك بسبب رفض جماعة أنصار الشريعة لمشروع الحراك، حيث يطمحون، على حد تعبيرهم، إلى وحدة عربية إسلامية، كما تظهر في أهدافهم وشعاراتهم والأناشيد الجهادية التي يستمعون إليها.