وكأنه قدرنا أن نعيش تداعيات أحداث الأمطار، مشكلة تلو مشكلة. بالأمس كانت جدة واليوم الرياض وغدا غيرها. وفي كل مشكلة يـُوجه المسؤولون أنظارهم نحو وزارة المالية ويلومونها لعدم اعتمادها الموازنات اللازمة لإنشاء قنوات رئيسية لشبكات تصريف السيول. اليوم، وكما وصفها أستاذنا الكاتب عبدالله ناصر الفوزان، تستقر كل الكور النارية في مرمى وزارة المالية التي "تركت الانطباع يتشكل لدى الرأي العام بإدانتها" (الوطن: السبت 8 مايو 2010 ). وفي حال دافعت وزارة المالية عن نفسها أم لم تدافع فإنه يبدو أن وزارة المالية تعي تماما دورها وواجباتها وتتصرف بما تمليه عليها الظروف ومعطيات البيئة التي تعيشها الإدارات العامة بكل تفاصيلها.
ولكي أوضح، أقول إن بيئة تنفيذ المشاريع والأعمال تئن وتشتكي من العديد من المنغصات المزمنة، مثل محدودية الشركات التي يمكن أن تقوم بالمشروعات الكبيرة وأوضاع وخصائص شركات التنفيذ المتبقية التي تقتنص المشاريع اقتناصا، مع المصاعب التي تواجهها أغلب الشركات من حيث ندرة العمالة الوطنية في مجال التنفيذ والإنشاء وتأخر تنفيذ المشاربع وفي ظل الحصار الشديد الذي تفرضه وزارة العمل على عملية الاستقدام وما يكتنفها من تعقيدات بيروقراطية تتماشى مع الثقافة السائدة بين الشركات والتي ترى أن العقود التي تبرمها مع الجهات الحكومية يصاحب تنفيذها كثير من الجور عليها، وأنه لا حل أمامها غير استغلال ما هو موجود أمامها من فرص وتطبيق المثل الدارج "كـُلْ فطير وطير".
إذا استطعنا استيعاب مهام وزارة المالية ووضعناها في إطار بيئة تنفيذ المشاريع والأعمال لدينا، فإنه يسهل التنبؤ بسلوك هذه الوزارة وتفسير سياسة متى تتحدث ومتى لا تتحدث ومتى تصمت بالكامل. مهام الوزارة كما يعرفها الكثير تتلخص في الإشراف على تنفيذ السياسة المالية والنقدية للدولة ومراقبة تنفيذها وإعداد الميزانية العامة ومراقبة تنفيذها والإشراف على أملاك الدولة والمحافظة عليها. إذا لاحظنا الجملة الأخيرة الخاصة بـ"المحافظة عليها" فلمَ نتذمر من وزارة المالية التي لا تتعامل إلا مع منطق الأرقام والبيانات في حساب الأمور. ولماذا نتذمر من وزارة تحافظ على "أملاك الدولة" في ظل ظروف ومعطيات وممارسات إدارية وتنظيمية معروفة للجميع. ولو افترضنا جدلا أن وزارة المالية قدمت كل ما تطلبه الوزارات من أرصدة مالية لدرء مخاطر الأمطار والسيول، فماذا سيحدث لهذه الاعتمادات؟ وكيف ستنفق؟ وهل يمكن لأجهزة الرقابة المالية والإدارية المتواضعة تأكيد تنفيذ هذه المشاريع بالجودة المطلوبة بعد استلامها في بلاد تعودت عدم هطول الأمطار بغزارة شديدة إلا بين فترات متباعدة كبيرة؟ وما نصيب ما سيأكله الفساد الذي يشترك فيه القطاع العام والخاص على السواء من هذه الإنفاقات؟ وفي النهاية هل يجوز لنا مساءلة وزارة المالية لحرصها على عدم إنفاق الأموال كيفما شاءت الإدارات؟
وضع مشاريع البناء والتشييد التي تقوم بها إداراتنا كشفه رئيس ديوان المراقبة العامة مؤخرا، أشار فيه إلى أن "نتائج بعض المشروعات الحكومية الحيوية التي حققتها للعام الماضي كانت أقل من المستهدف والمأمول، في مقابل حجم الموارد المخصصة لها".
 وأكد في الندوة التي حملت عنوان "أسباب تعثر تنفيذ المشروعات الحكومية وسبل معالجتها"، أن من أبرز عوامل الإخفاق وأسباب التعثر التي تكشفت للديوان ضعف التخطيط للمشروعات في مراحل إعداد دراسات الجدوى ووضع التصاميم الهندسية والشروط والمواصفات مع ضعف أنظمة الرقابة الداخلية والمتابعة والإشراف لدى كثير من الأجهزة الحكومية وعدم توافر المقاولين المؤهلين فنياً ومالياً وبشرياً لتنفيذ المشروعات الأساسية التي تتطلب إمكانيات عالية والإفراط في السماح بالتعاقد من الباطن وعدم قيام بعض الجهات الحكومية أو تراخيها في اتخاذ الإجراءات النظامية بحق المقاولين المقصرين عند تأخرهم في استلام مواقع المشاريع المكلفين بتنفيذها أو التباطؤ في التنفيذ (الوطن: الأحد 9 مايو 2010 ).
بعد هذا كله، هل نلوم وزارة المالية التي أدت دورها وفق وظيفتها ووفق معطيات تنظيماتنا وممارساتنا والمشكلات التي نعيشها بجانب مشكلة السيول... مشكلة مواردنا البشرية المتواضعة ومشكلة تنظيماتنا الجامدة.