قضيت سواد صباح ما قبل الأمس بصحبة معرفة، في عيادات مستشفى عسير المركزي وخرجت بالدواء الذي يثلج الصدر. عشرات الأطباء الذين زفتهم كلية الطب في أبها وفي ثلاثة عقود، وإذا كان هناك من مفاضلات في أولويات الاستثمار فسأضع هذه الكلية على رأس أهم الاستثمارات في تاريخ هذه المدينة والمنطقة. يحتاج الاستثمار في الموارد البشرية إلى شجاعة في اتخاذ القرار، ويؤسفني أن أقول بكل صراحة إن الفرصة كانت متاحة، ومنذ ثلاثة عقود أيضا، لأن تجد المرأة في عسير ذات الفرصة في أن تملأ الفراغ الطبي الهائل ولكن: بكل صراحة أيضا، فالذي عارض دخول المرأة إلى كلية الطب هم ذات الكوادر الذين تسنموا دفة القرار بالكلية في عقودها الأولى بالتحديد، وكل الحجة بزعم أيديولوجي رغم الحقيقة الناصعة في أن طبيبة سعودية واحدة من عمر تاريخنا الطبي لم تسجل حالة اشتباه أخلاقية واحدة. أعطوني واقعة شاردة لأسحب كل ما كتبت.
وتحت هذه – الفوبيا – المفتعلة يعمل في مستشفيات عسير وحدها ما يزيد عن 300 طبيب سعودي في تخصصات بعضها نادر على المستوى العالمي ثم في المقابل: لا يوجد بالأوراق الرسمية غير استشارية سعودية من أهل المكان، وحيدة هربت إلى جامعة بعيدة لتعود هنا لتحقيق الحلم. تصوروا أن مريضة قلب تطلب أن تجد لها طبيبة لتقيس لها إشارات (ECG) وبالطبع لن تجد لأن الأيديولوجيا التي أقفلت الباب أمام ألف شريفة بارزة متفوقة هي التي أوصلتنا إلى الواقعة المقابلة التي لا تجد فيها آلاف المريضات (شريفة) تقيس لهن ضغط الدم أو تسحب منهن عينة الدم.
وبالطبع ستظل - الفلبين – مستودع ملائكة الرحمة، مثلما ستظل الهند مستودع الاستشاريات والمقيمات، وما كان (حراما) على بناتنا كان حلالا لكل نساء الأرض، رغم أننا نتحدث عن بيئة عمل من طرفين: طرف يطلب النجاة عبر الدواء والكشف وهو يصارع المرض، وآخر يجتهد ليطمئن بكلمة سعيدة وسيظل الجنح، والخطأ والصواب، في كل مكان. كل ما في الأمر أن طبيعة البيئة والمهنة هي المختلفة.